للقات حكاية أخرى تختلف عن حكايات كل مايباع في الأسواق،فاقت أهميته عند البعض أشياء كثيرة هي في الأصل أكثر أهمية لو حضر الوعي السليم والعقل عموماً في أوقات المفاضلة وتوزيع الأهميات .. لكن يبدو أن القات قد صار مقدساً عند هؤلاء وغيرهم ولم يُعد مقبولاً النقاش حوله أو مفاضلته بغيره. تطورت تجارة القات لتصبح على مدار الساعة ليلاً ونهاراً بعد أن كانت محددة بأوقات معينة لاتجده في غيرها من الاوقات،ووصل الحال إلى أن الكثير من «الموالعة» يؤثرون القات على أنفسهم وعلى أطفالهم فيدفعون له مالايدفعونه لأنفسهم في ما يأكلون ويشربون ومن وراء أنفسهم بقية أفراد الأسرة صغاراً وكباراً وقد أكل القات من أقواتهم الكثير. لايتردد هؤلاء في طلب قيمة القات من غيرهم،بصورة أو بأخرى ودون حياء يمر على الخاطر،لكنهم قد يترددون في فعل هذا مع متطلبات أخرى ذات أهمية أكبر . هذا التعفف في الحالة الأخيرة.. يُحمد لاصحابه ويُمدحون لأجله، فمابالهم لايفعلون ذات الشيء مع القات قبل غيره. القات أذهب حياء البعض وأخرجهم من دائرة التعفف فحوّلهم إلى متسولين،يسألون الناس قيمة القات وأشياء أخرى تحت مظلته،ومع القات لاتستغرب حين ترى المتسولين يطوفون على «المقاوتة» في الأسواق بأكياس للحصول على «تخزينة» من كل أنواع القات أحسب أنها تأتي بالجنون بعدها فهي تحوي على خمسين صنفاً من القات في الكيس الواحد،ناهيك عن أن الكثير ممن يتسولون القات هم أصحاب إعاقات أو عاهات،وما أهمية القات عند هؤلاء حتى يتسولونه ، وللناس طرقهم في تسول القات وسواه مما يطلبون والغريب أن تسول القات بشتى الطرق بما فيها طرق التسول غير المباشرة لاتلاقي ذلك الرفض والصد الذي تقابل به طلبات المتسولين لقيمة الطعام والدواء والملبس وغيره. في مجالس القات قل ماتشاء فللقات حكمه الذي لا ينفع في غير مجالسه ومن المهم أن نشير إلى أن أكثر التنظيرات وأغباها وأكثرها كذباً تجري في مجالس القات أو تحت نشوة «التكييفة» بعد انتهاء وقت الجلسات وفي صباح اليوم التالي لانسمع لها صوتاً أو صدى،ومع هذا فإن الموالعة لبعضهم يغفرون الزلات ويسترون العيوب والهذيان لبعضهم . محظوظ هو القات وأهله،فالكثير من اللوائح والقوانين يجري تعطيلها إما بسبب القات أو من أجله،وتعالوا معي نرى عملية تنظيف شوارع العاصمة من الباعة الذين يفترشون الأرصفة والشوارع ليس منهم كبشر ولكن من مخلفات مايبيعون ومن زحام احتل معظم مساحات الشوارع وغيّر ملامحها..لكن هذه العملية لم تسر على أرصفة بيع القات وأسواقه بنفس الجدية والاصرار الذي سرى وجرى مع الباعة الآخرين وبضاعتهم التي لم تسلم من خسارة بفعل التكسير والمصادرة في حين أن باعة القات يعاملون بطريقة لائقة أكثر وفيها مساحة تعاون وتقدير أكثر،والسر ليس في ملابسهم المتسخة ولا في وجوههم الشاحبة فهم ليسوا أسوأ حالاً من غيرهم وربما أنهم أفضل من غيرهم لكن ثمة عداء بين هؤلاء وأمثالهم والنظافة بوصفها سلوكاً وثقافة،لكن سر المعاملة الطيبة لهؤلاء مردها إلى القات صاحب التأثير الساحر على من يمرون في مهمات من هذا النوع،وأخشى أن تزيد هذه النظرة فيصبح القات مقدساً فلا نقدر عليه..