لمن يكتب الكاتب، لنفسه أم للجمهور؟!.. هذا يعتمد على الكاتب نفسه وعلى الجمهور معاً. فإذا كتب الكاتب لنفسه فهذا يعني إما أنه صاحب موهبة؛ فهو يريد أن يستخرج عصارة فكره وتجاربه معاً ليفيد بها غيره، مهما كانت هذه الكتابة ذات طابع شخصي، فالمذكرات على سبيل المثال كتابة خاصة عن أشياء خاصة؛ غير أنها - غالباً - كنز من التجارب المفيدة التي تمنح القارئ خبرة تراكمية، كما تمنحه المزيد من البصيرة، إذ تكون خلاصة هذه الخبرة الحث على عدم المغامرة، أو أن المرء لابد أن يحسب خطواته قبل أن يضعها على أول الطريق كما هو الحال في مذكرات، أدولف هتلر «كفاحي» أو أن في المغامرة شعوراً باللذة ومحاولة اختراق الخوف وتجريب واقع جديد كما هو الحال فيما كتبه توفيق الحكيم في «عصفور من الشرق» عندما استمر يتتبع فتاة شباك التذاكر التي أعجبته خارج وداخل باريس، أو أن هذه المذكرات فيها إعجاب قوي بالنفس وإطراء لها حداً يصل درجة الغرور كما هو حال الراحل أنور السادات في «البحث عن الذات» .. إلخ. أو أن هذا الكاتب الذي يكتب لنفسه مصاب بلوثة الكتابة، فهو يكتب أي شيء، وحسب، إرضاء لهواية محببة إلى نفسه، دونما شيء مفيد للغير، وربما كان هذا الكاتب واحداً من اثنين، إما صاحب ثروة، فهو يطبع ما شاء من شعر أو نثر أو سياسة «بفلوسه» ليس ضرورياً أن يقرأ أحد ما يكتب هذا الأخ الكاتب، أو فقير، فهو يكتب ليحفظ ما يجمع أو يكتب، علّ زمناً قادماً يبشر بخير، فيتيح له نشر ما يكتب أو يؤلف. وقيل إن واحداً من أبناء الشعب التركي العزيز كان ثرياً جداً، فطمع أن يكون أديباً، فبدد ما ورثه عن أبيه وأمه في طباعة ما خيّل إليه أنه أدب، والذي دفعه لهذا إثنان من جيرانه، أحدهما بقال وآخر خباز كانا يتسابقان إلى الثناء على ما يكتب مع أنهما كانا أميين لا يعرفان القراءة ولا الكتابة، ويتسابقان إلى استخدام مطبوعات الأخ الذي خيّل إليه أنه أديب لغرض البقالة ولف الخبز. وكم أشعر بكثير من الأسى على بعض الذين ينشرون كتباً ثم لا يقرأ ما ينشرون أحد. وكان زعيم عربي ذو ميول للتأليف قد أرسل حقيبة كتب لضيف زار بلده، فظن الضيف أن الحقيبة ملأى بالنقود، فتركها في الفندق عمداً، غير أن موظف المراسم لحق صاحبنا إلى الطائرة بحقيبة الكتب!!.