يقول الله سبحانه وتعالى: «وجعلنا الليل لباساً، وجعلنا النهار معاشاً» ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من بات آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا ..». ثم يأتي كائن من كان ليجعل بعضاً من الليل رعباً وفزعاً ويبدد سكون الليل، يحوله إلى فزع فوق رؤوس الآمنين لمجرد اللهو والاستمتاع وإعلان فرحته أو نشوته أو استهتاره.. فهل مثل هذا التصرف يليق بالعقلاء؟!. وهل يملك هذا «الكائن من كان» الحق في أن يبدد سكون الليل بإطلاق القذائف المدوية الشديدة الانفجار تعبيراً عن فرحه وسروره دون أن يراعي حقوق إخوانه وأبنائه وآبائه من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ الذين يعاني الكثيرون منهم «القهر» فما أن تبدأ جفونه بالاستسلام لنوم عزيز نادر ظل ينتظره طويلاً حتى دوت من حوله الانفجارات لتحرمه النوم بقية ليله؟!. فهل يوجد من يملك الحق في أن يحرم جاره القريب أو البعيد من حقه في النوم أو الهدوء والسكينة والاطمئنان..؟. هناك من الأطفال أو الشيوخ من يزعجهم فرقعة حبة طماش.. تنفجر قريباً من داره ،وهناك من الناس من هم مصابون بالقلق والتوتر العصبي والاجتياح النفسي لشتى أنواع الانفعالات بحيث لا تتحمل أعصابهم سماع صوت قُلّة من الفخار أو كوب من الزجاج يسقط على الأرض من فوق مائدة الطعام ، أو من يد سائر يسير قريباً من مكان نومهم. أما أن يسمع أمثال هؤلاء وغيرهم من عامة الناس البسطاء وأرقاء القلوب أصواتاً مدوية ومفاجئة تشبه أصوات المدافع في ساحة الحرب وتماثل أصوات الأسلحة الثقيلة التي تدمدم في ساحات المعارك، فإن ذلك والله لا يقل أثره عن نزول صاعقة نزلت بساحة قوم آمنين. الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل تعتبر ساعة حرجة وخطيرة في حياة النائمين، سواء كان ذلك النائم طالباً مجداً أم موظفاً حريصاً أم عاملاً منهكاً، الكل يريد أن يأخذ قسطاً من الراحة حتى يواجه يوماً جديداً مليئاً بالجد والمثابرة والكد وكل أنواع الضنك.. لماذا لا نحترم حقوق هؤلاء وغيرهم في أن نسمح لهم أن يواصلوا نومهم بهدوء وسكينة؟!. إن بعض هؤلاء النيام يكونون كالموتى، تحلّق أرواحهم بعيدة عن أجسادهم كما قال تعالى: «وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار، ثم يبعثكم فيه» فماذا يحصل لهم عند حدوث فرقعة مفاجئة ومدوية كتلك التي سمعناها تلك الليلة «ليلة الجمعة صباح السبت»..؟!. يجدون أنفسهم في حالة إرباك شديد، إرباك يشوبه الفزع والرعب.. هل هي الحرب؟!، ولكن الحرب مع من؟!، وإذا لم تكن الحرب فما الأمر؟!، البعض من هؤلاء المستيقظين مفزوعون من شدة ذهوله حين استيقظ مرعوباً يفقد إحساسه بالمكان الذي هو فيه!! يتساءل: أين أنا؟! وإذا كان جندياً يتوهم أنه في ساحة الحرب، وأنه في أتون المعركة، وكذلك بقية الناس، فما أن يستعيدوا كامل رشدهم وإحساسهم بالمكان حيث يكونون، حتى يكون الرعب قد أخذ منهم نصف عقولهم، وكم تكون المصيبة فادحة إذا لم يعد لهم النصف الضائع!!. فيا أهلنا ويا جيراننا وإخواننا في الله والعقيدة والوطن: لماذا تفعلون هذا بنا؟ هل ترجون بذلك مثوبة عند الله.. أم تراكم لم يخطر ببالكم إرضاء الله أو سخطه، بل عولتم على الاعتقاد بأنكم لا تقترفون إثماً ولا تكتسبون وزراً، فأين اعتقادكم هذا من قوله تعالى: «ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره» «أرأيت إن كذب وتولى، ألم يعلم بأن الله يرى»؟!. أين اعتقادكم هذا من نهي رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عن ترويع طير في عشّه أو حيوان في مربضه، فهل صار ترويع الآمنين في بيوتهم في أنصاف الليالي وما بعدها سُنّة مؤكدة يمارسها الذين يريدون أن يفرحوا بانتصاراتهم أو أفراحهم، أليس الله قادراً أن يحيل ما نظن أنه انتصار إلى هزيمة ماحقة، حتى نتعلم الأدب مع الله في حسن التعامل مع خلقه، ونتعلم الإحساس بمشاعر الناس وتقدير ظروفهم والإحسان إليهم بالكف عن إيذائهم..؟!. صدقوني إن فرحة كاتب هذه السطور وفرحة صحيفة «الجمهورية» كما عرفتها وكل صحفنا الرسمية وغير الرسمية لا تقل عن فرحتكم بأي انتصار في شتى الميادين الثقافية والرياضية والعلمية وغيرها يحرزها أبناؤنا في المحافل الدولية والإقليمية والوطنية، ولكن لا يعني ذلك بأي حال أن نقبل أن تتحول مشاعر الفرح والابتهاج بهذا الفوز أو ذاك النجاح إلى وسائل إيذاء نؤذي بها الآمنين في بيوتهم أو تتحول هذه المشاعر إلى حجج ومبررات يستدل منها على مقدار ما بنا من جهل وتخلف، بل ما نحن عليه من طيش ونزق. ألا فلتعلموا أننا لسنا كذلك، بل نحن أمة حية تملك من مقومات الحياء والحياة والقدرة على الإبداع ما سوف يذهل أمم الأرض إذا أخذنا بأسباب العلم والقوة، وهذا لن يتم إلا إذا وقفنا وقفة رجل واحد لنقول لمن يخطئ: أنت مخطئ فتحّمل مسئولية خطئك، ونقول للمصيب: أحسنت، أحسنت فتبوأ مكانك. وإذا لم ننكر وبشدة ما حدث ليلة التاسع من فبراير الجاري ، فلنقل على عقولنا السلام.