الأصل في ظواهر الوجود أنها موصولة بالموسيقى الكونية، أي بالتوازن الذي جعله الله طابعاً أساسياً لكل تلك الظواهر منذ أن خلق الكون ومن عليه. نأخذ العبرة من قول الحق عز وجل: “كانتا رتقاً ففتقناهما” فالكون الذي نعرف ليس إلا جزءاً يسيراً من العوالم الكبرى لهذا الكون، منذ أن كان سديماً حتى جاءت كلمة الحق، فدار السديم دورة استمرت منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا وإلى ما شاء الله. لقد جاءت الحركة الميكانيكية النابعة من أمره عز وجل “كُن” بمثابة إشارة حاسمة للتوازن حيث إن السديم أو “العماء الأول” كان يتشكًّل من طاقة كهربائية موجبة وأُخرى سالبة، وعندما جاءت الحركة بالأمر الإلهي نشأ ما يعرف في الفيزياء بقوتي الجذب والطرد.. تلك القوتان اللتان شكلتا الأكوان المعروفة، وخاصة ما نعرفه في إطار المنظومة الشمسية التي نحن جزء منها. هذه الحقيقة الاستنتاجية الذوقية تؤكد أن منظومة القوانين التي تحكم الوجود مستمدة من ذات النظام العام الذي جاء بأمر من الحق وحمل في دواخله ما يمكن تسميته بموسيقى الوجود، حيث تراتب الأدوار، واختلاف الليل والنهار، وتبادل المواقع، والفتق والرتق، وتوالي الساعات والأيام، ضمن ناموس محدد. هذه الاستنتاجات ليست محكومة بقراءات عقلية أو اجتهادات فكرية فحسب، بل إنها أيضاً نوع تأمل واسترشاد بالمنظومة العامة التي تُجلي لنا قوانين السماء وحكمة الخالق. فالنشوء الأول تمّ على أساس الانتقال من الرتق إلى الفتق وذلك يعني أن الإشارة الإلهية “كن” أدت إلى نشوء الحركة الدائرية التي سمحت بالانتقال من حالة السديم العائم إلى التماسك المحكوم بقوتي الجذب والطرد، وما استتبعهما من تشكّلات مثالها الأرض، حيث تشكّلت البحار والجبال والأنهار، وأصبحت دورة الأرض اليومية والسنوية بمثابة المؤشر لتلك الحركة المموسقة التي تجلي لنا ما نراه من شواهد، سواء في الأشهر والفصول أو اليوم الواحد بإيقاعاته المختلفة.. وعلى هذا يمكن قياس بقية الكواكب والأقمار حيث يكون لكل كوكب يومه الخاص ولكل قمر طبيعته الخاصة. قال تعالى: “وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون”، فاليوم ليس مفهوماً محصوراً بتواريخنا وساعاتنا الأرضية، بل إنه مفتوح على آماد الكون الواسع الذي ينتظمه ناموس أكبر، جاء بأمر من الحق ويسير وفق مشيئته إلى يوم معلوم.