يطلق على الصحافة مصطلح«السلطة الرابعة» لما لها من دور هام وجوهري داخل المجتمع في كشف الحقائق ومعالجة الاختلالات وتصويب الأخطاء وتكوين رأي عام حول مجمل القضايا التي شأنها تحقيق خير ورفاه المجتمع ويصل مدى تأثيرها إلى الحد الذي تكون فيه سبباً لتغيير حكومات وسياسات دول.. ولكن هذا في البلدان التي تؤمن بأن الصحافة لها من الأهمية والتأثير الشيء الكثير، والجميع - مواطنين ومسئولين- يؤمنون بقدرتها على تغيير الواقع إلى الأفضل.. أما في بلادنا فلاشيء من ذلك لأنه يتم التعامل معها كمجرد وظيفة مثلها مثل أية وظيفة أخرى وتأثيرها يكاد يكون معدوماً وهي أشبه بالنفخ في «قربة مخرومة». لم نسمع قبل الآن أن موضوعاً صحفياً قاد إلى تغيير الواقع أو استطاع احداث تأثير ولو بسيط تجاه قضية أو مشكلة معينة، اللهم إلا في حالات نادرة وشاذة وإن لم تكن بالمستوى المطلوب ومع ذلك النادر يحفظ ولا يقاس عليه.. فكم من الظواهر والقضايا تتناولها الصحافة يومياً تشير فيها إلى مكامن الخلل وتحاول وضع الحلول والمعالجات لها وماهي النتيجة؟ للأسف الأمور تظل كما هي عليه ولا يحدث أي تغيير لأن المعنيين يقابلونها ب«أذن من طين وأذن من عجين» ولايتفاعلون معها إلا فيما ندر. أغلب من يكتبون بالصحف أصبحوا على ثقة تامة بأن ما يكتبونه لايجد آذاناً صاغية بل لايجد من يقرأه وإن وجد فسرعان مايتم تجاهله وكأن لم يكن ويصبح الأمر أشبه بمن يحرث في البحر، ولكن مع ذلك نجدهم يستمرون في الكتابة إما حباً في الكتابة ورغبة في إفراغ شحنات مكبوتة لديهم، أو سعياً وراء«كم ملطوش» من الانتاج الفكري في محاولة لتحسين وضعهم المعيشي، أما مسألة إحداث التأثير أو اصلاح خلل قائم فذلك أمر مستبعد لأنهم يعرفون جيداً أن لا أحد يعير اهتماماً لما يكتبونه، فعامة الناس ينظرون إلى ما تتناوله الصحف ليس سوى «كلام جرايد» لا أكثر ولا أقل ولن يقدم أو يؤخر أو يحدث فرقاً في حياتهم.. بينما المسئولون لايهتمون بماتنشره الصحف إلا إذا كان مدحاً لهم واستعراضاً لبطولاتهم وانجازاتهم، أما إذا كانت تتناول مشكلات واختلالات فهي كتابات مغرضة وكيدية تستهدف تشويه صورتهم وتلويث سمعتهم، وفي كلتا الحالتين هم يعرفون جيداً بأن ما تكتبه الصحف لن يكون له أي تأثير لأن قراء الصحف في مجتمع ترتفع فيه نسبة الأمية بصورة مفجعة هم نسبة ضئيلة جداً. نخلص من هذا كله إلى أن الصحافة في بلادنا ليس لديها أي تأثير في المجتمع ولا تمثل لا سلطة رابعة ولاحتى سلطة عاشرة، فقط مجرد«كلام جرايد» وأعتقد بأن أغلب العاملين في مجال الصحافة لو أتيحت لهم فرص عمل أخرى في غير هذا المجال لفضلوه على العمل في الصحافة التي تأخذ كل وقتهم وجهدهم دون فائدة.