• «السلطة الرابعة» هي التسمية التي تُطلق على الصحافة نظراً لما تلعبه من دور مهم وجوهري داخل المجتمع في إظهار الحقائق وكشف الاختلالات وتصويب الأخطاء وتكوين رأي عام حول مجمل القضايا، بهدف الإسهام في تغيير الواقع نحو الأفضل ويصل مدى تأثيرها إلى الحد الذي تكون فيه سبباً لتغيير حكومات وسياسات دول؛ لكن هذا في البلدان التي تؤمن أن الصحافة لها من الأهمية والتأثير الشيء الكثير، والجميع - مواطنين ومسؤولين - يؤمنون بقدرتها على المشاركة الفاعلة في بناء الوطن وتطويره، أما في بلادنا فلا شيء من ذلك؛ لأن تأثيرها يكاد يكون معدوماً بل أشبه بالنفخ في “قربة مخرومة”!!. • رغم الكم الهائل من الظواهر والقضايا التي تتناولها الصحافة في بلادنا يومياً وتشير فيها إلى مكامن الخلل في هذا المرفق أو ذاك وتحاول وضع حلول ومعالجات لهذه القضية أو تلك؛ إلا أنه يمكن الجزم أن كل ما يُكتب بلا جدوى وعديم النفع.. وحتى الآن لم نسمع أنَّ مقالاً أو موضوعاً صحفياً استطاع إحداث تأثير إيجابي تجاه قضية معينة، إلاَّ في حالات نادرة وإن لم تكن بالمستوى المطلوب والنادر يحفظ ولا يُقاس عليه، والسبب هو أن المسؤولين يقابلون كل ما تتناوله الصحافة ب “أذن من طين وأذن من عجين” ولا يتفاعلون معها إلاَّ فيما ندر. • أغلب من يكتبون بالصحف أصبحوا على ثقة تامة أن ما يكتبونه لا يجد آذاناً صاغية؛ بل لا يجد من يقرأه، وإن وجد فسرعان ما يتم تجاهله وكأن لم يكن، ويصبح الأمر أشبه بمن يحرث في البحر، ولكن مع ذلك نجدهم يستمرون في الكتابة إما حباً في الكتابة ورغبة في إفراغ شحنات مكبوتة لديهم، أو سعياً وراء “كم ملطوش” من «الإنتاج الفكري» في محاولة لتحسين وضعهم المعيشي، أما مسألة إحداث التأثير أو إصلاح خلل قائم فذلك أمر مستبعد؛ لأنهم يعرفون جيداً أن لا أحد يعير اهتماماً ما يكتبونه، فعامة الناس ينظرون إلى ما تتناوله الصحف ليس سوى “كلام جرايد” لا أكثر ولا أقل، لن يقدّم أو يؤخّر أو يحدث فرقاً في حياتهم. • وفي المقابل فإن أغلب مسؤولينا لا يهتمون بما تنشره الصحف إلا إذا كان مدحاً لهم واستعراضاً لبطولاتهم وإنجازاتهم، أما إذا كانت تتناول مشكلات واختلالات في أدائهم لعملهم فهي كتابات مغرضة وكيدية تستهدف تشويه صورتهم وتلويث سمعتهم، وفي كلتا الحالتين فإنهم يعرفون جيداً أن ما تكتبه الصحف لن يكون له أي تأثير؛ لأن قرّاء الصحف في مجتمع ترتفع فيه نسبة الأمية بصورة مفجعة هم نسبة ضئيلة جداً. • لقد اُبتلينا بمسؤولين أغلبهم من صنف “النطيحة والمتردية وما أكل السبع”، المسؤول من هؤلاء يرضى عنك عندما تمتدحه ويغضب منك عندما تنتقده، مع أنَّ المفترض أن يحدث العكس، فالمنطق يقول إنَّ انتقاد أداء المسؤول الفلاني أو العلاني يُعد بمثابة تقديم خدمة له بتعريفه بجوانب القصور والخلل في أدائه أو المرفق الذي يديره، والعمل على تلافيها من شأنه أن يسهم في تحسين صورته وتلميعه، لكن ما يحدث أنَّ مسؤولينا عندما يتعرّضون للنقد فإنَّهم يقابلونه بالمزيد من الإمعان في الخطأ أو ممارسة الأفعال التي كانت مثار الانتقادات، وكأن الأمر يتعلق بالعناد والمكابرة وليس بالإصلاح والتقويم. • المفترض ألا يضيق صدر أي مسؤول من النقد البنّاء؛ بل يتقبلونه بصدر رحب، ويقابلون بالشكر والتقدير كل من ينبههم إلى أخطائهم ومكامن القصور والخلل في أعمالهم، لأنَّ ذلك دليل على أنَّ هؤلاء يشعرون بمسؤولياتهم والأمانة الملقاة على عاتقهم تجاه الوطن والمجتمع، فلو أنَّ الجميع كان عند مستوى المسؤولية والأمانة وأدّوا ما عليهم من واجبات لما كُنا نعاني كل هذه المشاكل والأزمات ونعيش هذه الأوضاع المتردية في كل جوانب الحياة. • نخلص من هذا كله إلى أن الصحافة في بلادنا ليس لديها أي تأثير في المجتمع، وإن وجد فهو محدود، وبالتالي لا تمثّل سلطة رابعة ولا حتى سلطة عاشرة، فقط مجرد “كلام جرايد”، لا يُحدث أثراً ولا يُغيّر واقعاً. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك