ما حدث ويحدث في لبنان هو مجرد اختبار لمعطيات كثيرة؛ أول معطى هو قياس قدرة المقاومة التي انتصرت في صيف 2006 على أعتى جيش عدو للعرب والمسلمين هو الجيش الاسرائيلي مدعوم بأقوى قوة في العالم هي أمريكا. وأمر آخر هو قياس قدرة الأمة العربية على الاضطلاع بدورها في مثل هذا الحال والذي ثبت بالتأكيد أن الأمة اللبنانية - رغم التشكيل الطائفي - أمة متماسكة، ورأينا في أجهزة الإعلام العالمي المنحاز والمحايد أن الوعي بلغ لدى اللبنانيين درجة كبرى. وأشعر أن الذين «تهوروا» فأعلنوا مواقف حاسمة ضد طرف آخر من اللبنانيين ربما شعروا، أو لعلهم أدركوا أن المسألة أكبر من إجراء بسيط أو أكبر من أية رسالة يرسلها فريق لآخر. إن لبنان، هذا البلد الجميل المشرق بأهله حضارة وتسامحاً ومحبة لا يمكن أن يلوث فضاءه البارود، وإنما عبير الورد وعبير الأرز المنتشر من الجنوب إلى الشمال، ولا يمكن أن تتحول منازله لحياكة الثأرات والمؤامرات ضد أبناء البلد الواحد. لبنان كأي بلد حر إنما خلق لكل أهله وبنيه؛ يستوعبهم جميعاً بأعراقهم ودياناتهم وثقافاتهم، كيف لا وهو أول بلد يخترع أبجدية القراءة. اللبنانيون وحدهم أعرف بوطنهم وأعلم بما ينفعهم ويضرهم، ولربما كان قدرهم أن يكونوا مقياس تقدم أو تأخر في المنطقة جميعاً، ومقياس استجابة أو رفض لمخططات عالمية ونفوذ امبراطوري صاخب. لقد تابعت أزمة لبنان من بدايتها فاستنتجت أمرين: الأول: أن اللبناني مهما انحاز لأية فكرة؛ فإن هذا الانحياز لا يمكن أن يكون على حساب وطنه. الثاني: أن لبنان على مسافة تاريخية قديمة لا يمكن أن يكون باباً لأي استعباد لأي أمة في المنطقة. ومن هنا فإنه لا خوف على لبنان لسبب بسيط هو هذا الولاء الوطني، وهذا الوعي الكبير الذي يتمتع به حتى المواطن البسيط العادي. وحفظ الله لبنان وجميع الوطن العربي.