بالرغم من ظهور العمل الحزبي في اليمن منذ الخمسينيات تقريباً من القرن العشرين ورفع الشعارات الأيديولوجية العصرية إلا أن العامل المناطقي والقبلي ظلا هما البنية الاجتماعية التي تقوم عليها السلطة أو الحزب، فالأحزاب التي رفعت الشعارات القومية والأممية أو الأمة الإسلامية، لم تكن هذه الشعارات سوى واجهة لطالما كانت هذه الأحزاب تخفي وراءها ممارسات تتسم بالمناطقية والقبلية والمذهبية.. وهاهي الدولة المدنية في بلادنا تواجه صعوبات الدمج الاجتماعي بسبب الثقافة التي أفرزتها هذه الأحزاب والتي تحالفت اليوم تحت مسمى اللقاء المشترك، هذا التحالف يعد تحالفاً شكلياً، لأنه لم يعط الأولوية للطريقة الترابطية الأفقية التي تعزز انتماء المواطنة الفردية بعيداً عن هيمنة الولاء الجمعي وتعزيز هوية المنطقة أو القبيلة أو المذهب. نحتاج جميعاً في الوقت الراهن إلى إعادة صياغة الهوية الوطنية وفق رؤى عقلانية تعمل على ملء الوعي بثقافة المواطنة وبناء دولة المؤسسات وألا ننزع إلى التغيير من أعلى وإنما نسعى إلى التغيير من الأسفل من خلال خلق قيم مشتركة وأهداف عامة تمكن الجميع من أن يشاركوا بطريقة إيجابية. إن العجز السياسي لاشك أنه قد أدى إلى الإخفاق في إيجاد الحلول للمعضلات القائمة اليوم وهذا أدى إلى تفكك مفهوم المواطنة وصعود الهويات القبلية والطائفية.. لست أدري كيف تراهن المعارضة على مستقبلها السياسي بدون الوصول إلى مبدأ المواطنة أو على الأقل استكماله.. فالمعارضة تجهل أن قيام دولة مستقرة يتطلب تنمية الشعور بالهوية وحل المشكلات المترتبة على الهويات الطائفية والقبلية والمناطقية.. على المعارضة أن تتنبه لخطورة العلاقات العمودية التي تصنعها وأساليب الموالاة المناطقية كما هو حاصل في فكرة الشمال والجنوب، فهذا يؤدي إلى استمرار الفشل في بناء الدولة الحديثة ويسد آفاق قيام حياة سياسية سليمة وسلمية، فما يجري اليوم يدفع بالمنافسة السياسية إلى خلق تحالفات غير مدنية ويغيب المنافسة السياسية الحقيقية بين الأحزاب. إن هيكلة اللقاء المشترك تمنع وضع برامج سياسية وبالتالي تعطل فعالية كل السياسات المؤدية إلى تشكيل الدولة. تعاني الأحزاب السياسية جميعها من انفصام جوهري في أدائها لوظائفها، الأمر الذي انعكس على جميع مظاهر العملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أدى ذلك إلى تعقيد الحياة الاجتماعية وأوجد عجزاً مزمناً شل قدرة المجتمع على الحراك أو حتى على الخيارات السليمة، إن عجز هذه الأحزاب ناتج من بنيتها السياسية بصرف النظر عن شكل النظام السياسي، فالذي يهيمن على هذه الأحزاب هي جماعات ذات مصالح فئوية بعيدة كل البعد عن المصالح الوطنية، ومما لاشك فيه أن جميع الأحزاب كرست هذه الأوضاع، بحكم أنها مستفيدة من بقاء الأوضاع على ماهي عليه. وبالمقابل لايوجد مثقفون ولا مفكرون يسعون إلى فضح وكشف مثل هذه الممارسات، وهذا يعود بالطبع إلى غياب الأطر الثقافية التي تمتلك حوامل اجتماعية، فالعلاقات الدينية القبلية في كثير من الأوقات هي التي تتحكم في المشهد السياسي، ومن هنا يمكن القول إن الأحزاب السياسية في بلادنا دون استثناء منسلخة عن المجتمع لأنها لا تعبر إلا بصورة مباشرة وضيقة عن مصالح فئوية محدودة لا تتجاوز ذلك إلى مجموع المصالح العليا للبلاد.. وهكذا تشكلت قشرة مجتمعية كاذبة أدت إلى هشاشة الوضع وطفت هذه القشرة على سطح المجتمع بقصد التوافق المناطقي والاستقطاب القبلي، وهذه هي إحدى أهم مراجع الأزمة في اليمن، فالأزمة يعبر عنها تمزق العلاقة مع المجتمع نتيجة لتشكل المصالح الضيقة، لابد من مراجعة مايجري وبشكل سريع، لأن المجتمع يتعرض لتفتيت نسيجي وتحطيم مفاصله وتتسع دائرة الفوارق الطبقية.. إننا نقف اليوم أمام أحزاب متنازعة، متصارعة وغير قابلة للتوحد في ظل كيان سياسي متماسك ينشد دولة وطنية يسودها النظام والقانون، فهذه الأحزاب تسهم في تقطيع أواصر الثقة والقيم المجتمعية وتمزيق الثقة المتبادلة..إننا اليوم أمام مقولة «حرب الكل على الكل» في ظل غياب مفهوم فعلي للهوية الوطنية.. لقد فضحت أحداث الجنوب والتمرد في بعض مناطق صعدة هشاشة الأحزاب السياسية وكشفت عن تخلفها السياسي وعدم عقلانيتها أو رؤيتها المستقبلية وكشفت المجريات أن سلطة التوافق السطحي ماهو إلا قناع لايخدم بناء الدولة، وتظل المحاصصة المناطقية والمداراة القبلية هي الخانقة لكل فرص التغيير الإيجابي، فالمحاصصة المناطقية أحد أهم المعوقات التي تقف في وجه تحقيق بناء الدولة الحديثة.