احتلت الدولة في أذهان الناس معنى رديفاً للنظام والقانون، لذلك صار الذين يعارضون الدولة يترجمون موقفهم بالتمرد على النظام وانتهاك القانون.. ولكن كيف نفسر تفريط بعض أجهزة الدولة بالنظام، وعبثها بالمواطن!؟ في أمانة العاصمة لم يستغرق وصولي إلى معالي الوزير (أمين العاصمة)أكثر من عشر دقائق، لأجد رجلاً بشوشاً، يعامل المراجعين بذوق رفيع، وصدر رحب ..حرص على تسليم طلبي يداً بيد للمختص لإيلائه أهمية.. غير أنه - وربما لكونه جديداً في المنصب - لم يعرف بعد أنني حتى هذه اللحظة لم أر الطلب، ولم أعرف مصيره، رغم مرور ثلاثة أسابيع عليه..! فبعد أن يجتاز المراجع باب مكتب الأمين يتحول إلى أشبه بكرة يتقاذفها الجميع بلا أدنى إحساس بالمسئولية والأمانة الوظيفية. فالدخول إلى مكتب المختص يستدعي الانتظار لأكثر من ساعة، وفي الانتظار هناك أكثر من شخص ينطق باسمه ويوجه المراجع.. وكل يطلب منك البحث عن الطلب في مكان معين.مرت الأيام في دوامة وعندما شعر مدير مكتب المختص بأني قد نفد صبري قال لي بأنني لست أول من يضيع طلبه ولن تكون آخر واحد..!! فتمنيت في تلك اللحظة لو أن أمين العاصمة لم يعاملني باحترام كي لا أصبح هدفاً لأحد من موظفيه! وبغض النظر عن المصير الذي اختفى فيه الطلب، فإن مايحيرني هو لماذا لاتهتز شعرة للمسئول الحكومي عندما يرى المراجع «دايخ سبع دوخات» لأيام عديدة، ثم يقال له بكل بساطة إن معاملتك ضاعت!؟ فهل تفتقر مؤسساتنا للوائح عقابية للمتسببين بضياع المعاملات!؟ ألا يعتقد المسئولون أن ضرب اللوائح عرض الحائط، وعدم احترام إنسانية المراجع وكرامته، هو تشجيع للآخرين بانتهاك الأنظمة والقوانين، والاستهانة بهيبة الدولة، في الوقت الذي تراهن القيادة السياسية على بناء دولة مؤسسات وتعزيز الحقوق الإنسانية للمواطن..!؟ لست أدافع عن حق شخصي - فقد تخليت عن الطلب كي لا أخسر وظيفتي لبقية العمر - ولكنني أدافع عن حق المواطن اليمني بشكل عام في أن يجد آليات مؤسسية متبعة في المرافق الحكومية المختلفة..وفي أن يجد معاملة مهذبة، وتخصصاً في المسئوليات، بحيث لايتحول إلى «كرة» يتقاذفها كل من هب ودب من طابور المرافقين والأتباع المحلقين على باب المسئول الحكومي، وكل منهم يتصرف كما لو كان هو المسئول!! ففي كثير من مؤسساتنا يمارس التسيب والتسرب الوظيفي كثقافة طبيعية.. ففي يوم الأربعاء الماضي لفت انتباهي في إحدى الوزارات حشد من الناس، وضجيج، وبعد بحث الأمر اكتشفت أن هؤلاء الناس كلهم ينتظرون مدير مكتب وكيل الوزارة الذي وضع الختم في جيبه وغادر المبنى منذ الصباح، ولم يعد إلاّ بعد أذان الظهر، وبعد سلسلة اتصالات من مدير عام التصديقات، الذي كان يبذل قصارى الجهد لتهدئة المراجعين الذين لم يتحملوا هذا اللون من عدم الإحساس بالمسئولية. وفي نفس اليوم (الأربعاء) كان عشرات المراجعين يحلقون حول شباك في وزارة الخارجية، قسم التصديقات بانتظار وثائقهم، بينما شباك استقبال الوثائق أغلقه الموظفون الساعة الثانية عشرة وعشرين دقيقة بالضبط، وأخبروا المراجعين بأن الدوام الرسمي انتهى.. وظل أحد القادمين من محافظة أبين يطرق على النافذة ويتوسل بأنه لايملك «صرفة» للبقاء إلى السبت، إلاّ أن طرقه الشديد أزعج الموظفين فاستدعوا له أحد أفراد الشرطة! مع العلم أن قسم التصديقات بوزارة الخارجية يقصده الناس من مختلف الجنسيات، ويمثل واجهة لليمن..! نحن نتساءل: من يوقف هذه الفوضى الإدارية، والتسيب بأداء المسئوليات!؟ ومن يلزم الموظف بساعات الدوام الرسمي!؟ ألا يجدر بالأجهزة الرقابية المركزية وقيادات الوزارات مراقبة هذه الأمور، ومحاسبة المخالفين بدلاً عن خلق مناخات للتذمر، يستغلها ضعاف النفوس في التحريض على العنف والتخريب والفتن!؟