انتهت الامتحانات المدرسية وبعض من الجامعة، وتنفس الكثيرون من الطلاب الصعداء بعد رحلة من الهّم والغّم والصراع مع مقولة: (في الامتحان يكرم المرء أو يهان)... {.. الآن.. صار بوسعي أن أطرح ما استفزني في تلك الامتحانات من خلال ما تابعته أو سمعته، وكنت قد ابتعدت عن البوح به والسؤال عن أسبابه حتى لا يكون له رد عكسي على الطلاب ممن شعروا بالغبن والظلم ولم يجدوا كلمة اعتراف أو وعد بالمراعاة!!. {.. لن أسوق لكم حالة من المعاناة لطلاب مهملين أو تحصيلهم العلمي متدنٍ؛ بل سأضعكم أمام معاناة طلاب متفوقين، تبقى بينهم وبين الجنون "شعرة" في ظل واقع لا يرحم!!. {.. ربما سمعتم أن ما مرّ من امتحانات الشهادة الثانوية كان صعباً جداً، وواجه الطلاب صعوبات كثيرة تؤكد أن الذين صنعوا أسئلة الامتحانات كانوا ينظرون إلى التعجيز أكثر من التبسيط؛ لأسباب مازلنا نجهلها!!. {.. أحد الطلاب المتفوقين جداً أعرفه مهذباً، وملتزماً، وعلاقته قوية مع دروسه والمنهج المقر، مع ذلك شكا بمرارة صعوبة امتحان إحدى المواد، وأكد أنه جاء من خارج المنهج الذي درسه خلال العام الدراسي، ولم يخف أنه تجاوز ذلك الامتحان بصعوبة، وعلّق على ذلك بالقول: "لقد خضت امتحاناً صعباً مع "العلامة" الذي وضع الأسئلة، وليس مع المنهج الذي قرأته!!". {.. سمعت نفس الشكوى من طلاب كثيرين تؤكد أن مواداً أخرى وضعت أسئلتها بطريقة توحي بوجود شيء من العداوة بين الأساتذة والطلاب؛ مع أن الدنيا سلامات!. {.. أين وزارتا التربية والتعليم، والتعليم العالي من ذلك، وما دور لجنة الامتحانات العليا.. وكيف تتم تلك التجاوزات للعقل والمنطق، وللهدف الأساسي من التعليم؟!. {.. لست مبالغاً إذا قلت لكم إن شاباً كان يسبقني بمرحلة، وأعرف عنه الذكاء والتفوق وحصوله الدائم على المراتب المتقدمة، وعندما دخل امتحان الرياضيات في الثالث الإعدادي آنذاك واجه امتحاناً صعباً قيل حينها إنه جاء من خارج المنهج، واستطاع الإجابة عن ما يضمن له درجة النجاح، لكنه دخل في دوامة تفسيرات قادته إلى الألم والحزن، وظل متحسراً، فجاء الامتحان الذي يليه بعد يومين فوقعت الكارثة عندما بدأت الحالة النفسية تظهر في تقاسيم وجهه، وحينها تفاجأ زملاؤه عندما أخرج "بصلة" من جيبه وظل يأكلها رافضاً الإجابة عن ورقة الأسئلة وعن أي استفسار من المراقبين والزملاء!. {.. لن تطلبوا مني اليمين حتى تصدقوني.. لكن سأمنحها لكم وأقول: أقسم بالله العظيم أن ذلك الطالب المتفوق من تلك اللحظة دخل عالماً آخر، وما بين فترة وأخرى كان يسكن مستشفى الأمراض النفسية ليتلقّى العلاج، وحالياً ومنذ عدة سنوات يعيش مستقراً؛ لكن بعد أن ترك الدراسة تماماً منذ ذلك اليوم!!. {.. لا أخفيكم.. تذكرت ذلك الصديق في هذه الامتحانات وسألت نفسي: كم هم الذين سيعيشون ما عاشه ذلك الطالب المتفوق بسبب أسئلة يريد من خلالها مدرس أو موجه تقديم قدراته وعبقريته للآخرين؟!. {.. وضع مأساوي تتكرر إطلالته كل عام، ولا أعتقد أن هناك من يستوعب خطورة نتائجه أو من لديه القدرة على مواجهة المتسببين فيه بشيء من الوضوح وبقليل من الحزم. {.. الرحمة مطلوبة، والذبح لا يجوز دون الإحسان في الذبحة، وفي ظل الحشو والعك والتعقيد والتعجيز لا تستغربوا إذا ما احترقت (فيوزات) الأذكياء، أو تحول رئيس مركز امتحاني إلى (تاجر) يبيع الإجابات في مزاد مباشر داخل اللجان.. ويمنح التسهيلات بحسب قائمة الأسعار!.