إن أهم مادة في المنهج المدرسي غائبة، وهي مادة التربية الفنية. وهذه المادة لها علاقة بالأمن القومي لأنها تكوّن ضمير وسلوك ومشاعر وتصرفات وأخلاق الأفراد. إذا استمر الأمر على ماهو عليه فإننا سنصاب بعمى الألوان وستنقلب حياتنا إلى جحيم بفضل اللون الأسود المهيمن على تفكيرنا.. هانحن بعد ستة وأربعين عاماً مازلنا نتنكر للثورة وللشهداء وللتضحيات الجسام. أصبحت التربية والتعليم تقولب طلابها في أقفاص وتطلب منهم أن يحفظوا المعلومات ثم يتقيؤوها إلى ورقة الإجابة آخر العام دون أن يذهبوا إلى متحف أو يشاهدوا السينما، أو المسرح. إن التربية والتعليم تصنع أجيالاً خائفة وخانعة. فنحن نعلم أن المدرسة هي التي تعد الصناعات الأولية في مختلف المجالات. فالمدرسة هي التي تمد الأندية بالرياضيين، وهي التي تمد المسرح بالممثلين وهي التي تعد الإعلاميين والمبدعين المبرزين. فأين هي ملاعب المدارس وأين هو المسرح المدرسي وأين هي التربية الفنية.. وأين وأين ؟! أين هي المواد التي تعلم الطلاب مهارات البحث عن المعلومات واستقصاءها بطريقة ذاتية. أين هي حصة الفن التي تعلم الطالب كيف يحلم ويبتكر ويتخيل؟ إذا كنا نريد مواجهة التطرف فعلاً، فلابد من إعادة حصة الفن التي تعلمنا الألوان وتزرع فينا البهجة؟ وإذا كنا نريد مواجهة ثقافة الكراهية والتعصب وزرع ثقافة التسامح، فلابد من عودة حصة الفن حتى نلون الليل بأشعة الصباح الجميل ونستطيع أن نفرق بين اللون الأسود وبقية الألوان. لم تعد المرأة في بلادنا قادرة على اختيار ملابسها فهي لاتعرف من الألوان سوى اللون الأسود. وهناك كثير من الناس في بلادي غير قادرين على اختيار ملابسهم. كل الدراسات والأبحاث التربوية تقول ان الطفل الذي يفرغ شحنات الطاقة الزائدة لديه ويتعرض لسماع موسيقى ويستطيع ان يميز بين الألوان يكون أقل عدوانية ويتسم بالتسامح. من خلال حصة الرسم نستطيع جعل الطفل يفرق بين خامات الخشب وخامات النسيج والأوراق، كما يستطيع التمييز بين الخامات الغالية والخامات الرخيصة. ولايتوقف الأمر عند هذا الحد بل ان الطفل يتعلم وهو يتعامل مع الخشب مقدار التعب الذي يواجهه النجار ويجعله ذلك يحترم هذه المهن ولايحتقرها، كل ذلك يؤدي إلى خلق تجانس اجتماعي وتقريب الفجوة بين الطبقات. الطفل الذي يتعلم الرسم يكون متزناً ولديه قدرة على معرفة الأبعاد الهندسية والدرجات اللونية. كما أن الرسم يفتح الآفاق على مدارس فنية ونقدية متعددة تسمح بجعل الطفل أكثر ديمقراطية حينما يتقبل هذا التعدد الفني ويقبل به دون التعصب لمدرسة على حساب مدرسة أخرى، الفن يعلم - كما قلنا - التسامح. وقد ذهب التربويون إلى أن التعبير في الفن يساعد الطلاب على تطوير المهارات الإدراكية والمادية، ويساعدهم على صنع علاقات جديدة وهو محفز على تطوير الانضباط الذاتي. كما أنه يساعد على التفكير النقدي ويساعد على إدراك العالم عقلياً ويساعد على تحويل البيئة المدرسية إلى مركز للاكتشافات .. الرسم ضرورة لفهم الشخصية، فإذا أردت أن تعرف نفسية أي شخص فلتجعله يرسم. قد ترد علينا وزارة التربية والتعليم وتقول : انه لايوجد مدرسون للتربية الفنية والرياضية.. ونحن نقول ان المدارس لاتوجد بها معامل للفيزياء والكيمياء، فهل يعني ذلك أن نلغي مادتي الفيزياء والكيمياء. إضافة إلى ذلك فإن جامعة ذمار فيها قسم للفنون وجامعة الحديدة فيها كلية للتربية الفنية. وهناك معهد للفنون في عدن.. فأين هي مخرجات هذه الأقسام ياترى ؟ كماأننا أصبحنا نمتلك معهداً رياضياً يمكن أن يرفد التربية والتعليم بمدرسين للتربية الرياضية. لماذا القائمون على التربية يسارعون فقط للهدم ولايسارعون إلى البناء، لقد تحولنا من شعب حضاري إلى شعب من الأجلاف نقتل بدم بارد، والسبب يعود إلى غياب قيم الجمال وغياب بهجة الألوان ورونقها.. تحولنا إلى شعب انتهازي لايكترث بالآخرين. نريد من وزير التربية والتعليم ان يعيد صياغة الجدول المدرسي ويدرج مادتي الرسم والرياضة ضمن الجدول الاسبوعي، فإن ذلك كفيل بخلق مجتمع متماسك يحب الجمال ويكره القبح، وإذا لم نفعل ذلك فلننتظر مزيداً من الارهابيين ومزيداً من المتطرفين.. لقد واجهنا في السنوات الأخيرة موجة من العنف والاضطرابات والصراعات البغيضة، دون أن يضع التربويون على أنفسهم سؤال : لماذا هذا العنف وماهي أسبابه..؟ وكأن التربية والتعليم ليست المسئولة أو المعنية بمثل هذا الأمر.. إما أن القائمين عليها لايعون ذلك أو أنهم لايهتمون.