هذا القلب الصغير لا يستطيع تحمل هذا الإرهاق الكبير الذي لو وقع على صخر لأذابه، فالقلب يتحمل طاقته، كما خلق له مهمات جسدية أخرى تقوم عليها حياة الإنسان، وزيادة إرهاقه بالهم والغم والهرم هو تكليفه بما لم يخلق من أجله وزيادة مضاعفاته ليتحمل أعباء أخرى. ويعلم الله - وهو العليم بخلقه اللطيف الخبير - بأن القلب لا ينبغي أن يرهق، ثم لسابق علمه أنه لابد أن يرهق لتحمله ما تأتي به الحياة من مشاق وأهوال ومصائب ونكد وطوارق الليل والنهار، تطرق بمآسٍ وويلات فإنه وكل الإنسان إلى الإيمان ليستريح قلبه ويطمئن باله، لأنه لا علاج يمنع الهموم ويقي الإنسان شر المصائب ونكبات الحادثات إلا الإيمان. فالقلب المعمور بالإيمان المتشرب كأسات الثقة بالله، المليء باليقين والمسلّم بقضاء الله وقدره، هذا القلب لا يمكن أن يصاب بالسكتة ولا يرمى بالجلطة والنكبة. فالمؤمن إذا آمن أن كل أمره خير؛ إن أصابته سراء شكر، وإن أصابته ضراء صبر؛ لن يكون هلوعاً إذا مسّه الخير، ولن يكون جزوعاً إذا مسّه الشر، فالقلب العامر بالإيمان يحيا أبداً منتظم الإيقاع وفير المؤانسة والإمتاع. ولن تجد هذه النوبات المفاجئة ولا هذه الجلطات الفاجعة طريقها إلى قلب قريب الصلة بخالقه؛ مؤمن بما قسمه الله للإنسان من أسباب خير في الحياة القصيرة الفانية وبما قدّره من رزق شحيح، يسد الرمق ويطفي الفاقة. إن قلب المؤمن منيع من عوادي الأمراض وفواجع الدنيا؛ لأنه محصن بلسان ذاكر، ويقين صابر، ورشد عامر، فعلام يكون قلق الإنسان وقد علم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه؟!. لقد عاش السلف الصالح أيامهم سعادة وهدوء بال لعلمهم بأن الله لا يتخلى عمن لزم حبله ونهج طريقه. ولما رأى أحدهم ابنته تبكي منتحبة أباها الذي يعالج سكرات الموت؛ قال لها مواسياً: فيم البكاء يا بنية؟! إن أباك منذ ستين سنة لم تفته صلاة الجماعة. ولهذا كان السلف يرفلون في صحة عزيزة المنال الآن، بل كانوا يرون وعد الله متحققاً وقد عملوا الصالحات ينظرون إلى أهل الدنيا السادرين في عيش رغيد ودهر سعيد، فيجدونهم يستحقون الشفقة لأنهم ركنوا إلى الدنيا وغرّهم بالله الشيطان الغرور. أما هم فأهل الله كانوا يرون أنفسهم وهم لا يملكون إلا كسرة يسبغونها بالماء ويعيشون عيشة تقشف وعوز فيقولون مطمئنين: نحن في نعمة لو علمها الملوك لقاتلونا عليها!!. مع هذه الجلطات التي تسكت القلب إلى الأبد أحياناً لابد أن نلجأ إلى خير علاج وأفضل مانع وهو أن نعمّر قلوبنا بالإيمان ونثق بالله، ففي الذكر حياة للقلوب، وفي التسليم متعة لقلوبنا الصغيرة من المكاره وما أكثرها في حياتنا اليوم.