اعتقدتُ للوهلة الأولى أن تأسيس الهيئة الخاصة بحماية الفضيلة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجتمعنا اليمني المسلم ستكون من أجل إحياء فضيلة التكافل الاجتماعي، وتحرير المعوزين من الفقر والسعي إلى معالجة المقدمات والأسباب والدوافع التي تكمن وراء تفشي الظواهر، وانفراط عقد الآداب والأخلاق والقيم طلباً للقمة العيش بطرق يعرفها الجميع ولا داعي لذكرها.. بعض علمائنا الأفاضل الأجلاء يعيشون في أبراجهم العالية، محصورون بين المنزل والمسجد ومقرات الأحزاب والجمعيات المتخمة، لم يختلطوا بالعامة من الناس، فلهم نخبهم وجلساؤهم، لا يعرفون عن حالة وظروف الناس وقسوة الحياة معهم، يدبجون الخطب والمواعظ الإنشائية بأقوال وقصص لا علاقة لها بواقع الناس وحاجات المجتمع، ولا تزيد الناس معرفة أو فهماً لكتاب الله وسنّة رسوله. يتكلمون عن قضايا شكلية لا تلامس أو تعالج مشاكل عصرهم وواقعهم ومعيشتهم اليومية، يريدون من الناس أن ينتقلوا ليعيشوا في القرن الأول الهجري، ولم يكلفوا أنفسهم ليعلموهم كيف يعيشون الإسلام ويرسخونه منهجاً لحاضرهم، يتجدد معهم ويتغيرون به. غالبية الذين سعوا إلى إنشاء وتأسيس هيئة الفضيلة مترفون لا يعرفون الفقر ولم يقاسوا ذل الحاجة، أرصدة بعضهم متخمة، واستثماراتهم متعددة الأنشطة، يقتنون أفخم السيارات، ولدى بعضهم الحراس الأمناء والأشداء، يملكون العمارات والفلل - اللهم لا حسد - والشركات الخاصة والمشتركة في الداخل والخارج. لا وجود لهم في أحياء ومناطق الفقراء وقراهم، ربما جمعتهم اللحظات القصيرة بهم يوم الجمعة، لا يستمعون لهموم وحاجات الناس، ولا يتلمسون أوجاعهم، أو يستوعبون ظروفهم المأساوية حتى يحملوها إلى ولاة الأمر والمسئولين والقائمين على مؤسسات الدولة ومرافقها، ويدعوهم إلى تحمل الأمانة والامتناع عن الفساد الذي أوصل الحالة الاجتماعية إلى هذا المستوى من الفقر والعوز، ويدعون التجار الجشعين إلى تقوى الله، ويقفوا للظلمة والمتنفذين بالمرصاد، يفضحوهم ويرفعوا أمرهم إلى ولي الأمر. الفقر والجوع كافر معشر العلماء، تصوروا أن عطر أحدكم من "العود الخالص" ليوم واحد يكفي أسرة بكاملها من الصباح إلى المساء. لينزل كل واحد منكم ليعيش ويندمج في أسرة فقيرة معدمة ليوم واحد فقط حتى تعلموا أن الضمان الاجتماعي الذي يصلهم «مقصقصاً» لا يكفي قيمة الرغيف لأسبوع. ومن ثم اخرجوا وارفعوا أصواتكم المليئة بهموم الناس ومتاعبهم، فإن استجابوا لكم وحققوا في واقع المسحوقين تقدماً ملحوظاً في معيشتهم وتحسناً في ظروفهم، فتوثبوا بعد ذلك لحماية الفضيلة، وسنكون جميعاً معكم، لأنكم قد قمتم بالخطوة الأولى والمطلوبة لحراسة وحماية الفضيلة. أليست حالة وظروف الفقراء المعدمين والمهمشين في طول اليمن وعرضه - وما أكثرهم - وبؤسهم ومعاناتهم منكراً يجب تغييره؟!. وجّهوا كل طاقاتكم ومواعظكم وبلاغتكم وجهادكم في سبيل تحريرالمعوزين من الفقر وذل الحاجة، وتحصينهم ضد حملات التبشير التي تتفقد جوعهم، وتتحسس ظروفهم البائسة. لماذا لا تكونون أنتم المبشرين الدائمين في منازل الفقراء والمعوزين والمهمشين وأحيائهم ومناطقهم وقراهم وعششهم؟!. كونوا حراساً أمناء للعقيدة وحماة للفضيلة، تعينون الفقراء وتدلون عليهم، تجمعون التبرعات لتؤسسوا مشاريع انتاجية وحرفية تستوعبهم وتفيد البلاد والعباد بهم، تحاصرون المنكر وتقضون على أسباب تفشي الرذيلة بينهم. اعتصموا سلمياً ولو لمرة واحدة أمام أحيائهم ومنازلهم معبرين عن رفضكم لواقعهم، مسجلين موقفكم الإنساني قبل الديني تجاههم، إن صنعتم ذلك فأنتم حراس للدين والفضيلة معاً. اتركوا القاعات المريحة والمكيفة وفنادق الخمسة نجوم إن أردتم أن يسمعكم الناس ويصدقوكم. لماذا لا تأمرون بالمعروف فتدعون الدولة والخيرين والمقتدرين وأصحاب رؤوس الأموال والجمعيات الخيرية لإنشاء المجمعات الإنتاجية وورش النجارة والحدادة الكبيرة في الأحياء والقرى، واستيعاب الناس وتدريبهم وإكسابهم المهن ومساعدتهم على التخلص من الفقر والحاجة إلى الغير، حماية للفضيلة، وقطعاً لدابر المنكر والرذيلة، وتحريراً للمسلم الفقير من ذل الجوع وكفره وقطع الطريق أمام فرق التبشير؟!. إن فعلتم ذلك وتركتم أبراجكم فستكونون معشر العلماء الأفاضل أعظم حراس وحماة للفضيلة في التاريخ.