التطورات السياسية المتتالية التي شهدتها بريطانيا والمرتبطة بتداعيات الحرب ضد العراق إن دلت على شيء فإنما تدل على درجة عالية من الشفافية السياسية التي تؤدي في النهاية إلى مراجعة الموقف التحالفي البريطاني مع الإدارة الأمريكية بالرغم من الاعتبارات الكثيرة والخاصة بالعلاقات الاستراتيجية بين البلدين . ما أزعج الشارع البريطاني تمثل في العنوان الأساسي الذي حكم خيار المشاركة البريطانية .. ذلك العنوان الذي يتلخص بامتلاك نظام صدام حسين لأسلحة دمار شامل وهو ما لم يتم إثباته حتى اللحظة .. وما زاد الطين بلة أن خبير الاسلحة الاستراتيجي ديفيد كيلي انتحر إثر تعرضه لمساءلات مذلة أودت به لأن يترك رسالة قصيرة مفادها أنه كان على حق وأن ادارة رئيس الوزراء السابق توني بلير ليست على حق . تالياً جاءت القنبلة من هيئة الاذاعة البريطانية ( بي بي سي ) التي كشفت حقيقة المعلومات المضللة التي روج لها مدير مكتب الاتصالات بمكتب رئيس الوزراء البريطاني اليستر كامبل حول خطورة أسلحة الدمار الشامل التي كانت لدى نظام بغداد والمتعارضة مع الرسائل الالكترونية التي كان يتلقاها من المراقبين والمهتمين بأمر أسلحة الدمار الشامل . تمت إحالة اليستر كامبل للتحقيق وأسفر التحقيق عن موافقته على تقديم استقالته ، مما يعني تحميله مسؤولية المعلومات المضللة التي قدمها لرئيس الوزراء السابق توني بلير .. غير أن المتوالية لم تتوقف بعد ان زادت الاصوات المطالبة باستقالة رئيس الوزراء السابق، وخاصة رئيس حزب المحافظين أيان دانكن سميث الذي اعتبر بلير شريكاً في المغالطة الكبرى للرأي العام البريطاني. هاهي شفافية مطلقة تتحدث عن نفسها فيما ترينا ما وصلت إليه البنى المؤسسية من تطور وارتكاز على المصلحة العليا للشعب، حيث يتم تداول كل الأمور على طاولة مكشوفة وبحرية تامة . بعد أن ذهب اليستر كامبل مع متاهة تنظيراته وخياراته ودفع الثمن نيابة عن ادارته، لايبدو أن توني بلير سينعم بالهدوء حتى وهو خارج السلطة .. فالمؤشرات الاحصائية تشير الى تناقص حاد في شعبية حزب العمال والصحافة البريطانية تكيل له الاتهامات ولكل من كذب على شعبه . تلك هي شفافية المؤسسة البريطانية وتقاليدها الديمقراطية العريقة التي أوصلتها الى فن إدارة المتناقضات وتغليب المصلحة العامة .. وبالمقابل نجد أنفسنا نعيش حالة من التعتيم وارتهان المصائر بيد الأفراد والنخب السياسية التي تآكلت اهتراء وتمادت في تباعدها عن الشعب .