الذين عرفوا رئيس الوزراء البريطاني السابق « توني بلير» المشهور بوصفه أكثر المتماهين مع إدارة اليمين الأمريكي رغماً عن حزب العمال وتقاليده العتيدة والمتأنية.. الذين عرفوه عن كثب منذ شبابه المبكر يعرفون عنه بوصفه من المتحررين المخطوفين بعالم الموسيقى الصاخبة حتى إن البعض افترض ذات يوم أنه يكون نجماً موسيقياً!! غير أن الزمن تحرك باتجاهات مغايرة وأصبح توني بلير رئيساً لوزراء بريطانيا وهو مازال فتياً وسيماً ومُلهماً للكثيرات من المعجبات. «توني بلير» تجاوز الآن عقده السادس بقليل، لكنه يبدو مرهقاً كهلاً، فقد تدهورت خلاياه الحيوية ليس لأنه كان رئيساً لوزراء بريطانيا العظمى المسيّجة بديمقراطيتها وقوة قانونها، بل لأنه تورط مع بوش الابن في الذهاب إلى بغداد وورّط معه الكثيرين، فتوالت عليه الأسئلة والمساءلات المحرجة منذ الانتحار الغامض لكبير مفتشي أسلحة الدمار الشامل البريطاني« ديفيد كيلي» ترافقاً مع رفضه المعلن لفكرة وجود أسلحة دمار شامل بالعراق، ثم ما تلا ذلك من فضيحة سار ضحيتها مدير مكتبه « اليستر كامبل» ، وقد ارتبطت تلك المقدمات بآخر واقعة وقع فيها بلير حينما صرح بأنه كان سيذهب إلى حرب العراق حتى لو لم تكن هناك أسلحة دمار شامل!! وهكذا قامت قيامة الصحافة البريطانية ومعها الرأي العام، وها هو بلير يخضع لتحقيق أكثر صرامة من كامل المواجهات السابقة. من حسنات البلدان الديمقراطية الأكثر شفافية وارتكازاً على المواطن ومصالحه أنها لا تنسى الأخطاء والخطايا، ولا تفرط في القضايا الاستراتيجية التي تشكل عبئاً على الأوطان والمواطنين، ولهذا السبب سيظل بلير ملاحقاً وفي ذمته مئات الجنود القتلى، وآلاف المعاقين جسدياً ونفسياً، ومليارات الجنيهات التي ذهبت أدراج الرياح، وأيضاً الموت الغامض لديفيد كيلي الذي قال كلمته قبل الحرب ومضى، والركلة الماحقة الساحقة لمدير مكتبه «اليستر كامبل»، وأخيراً وليس آخراً إقراره بأنه كان سيذهب إلى الحرب حتى لو لم تكن هناك أسلحة دمار شامل.