إن المصالحة مع النفس تعد الخطوة الأولى نحو تجنيب الوطن والمواطن مخاطر الحروب والصراعات والفتن.. وإذا أردنا أن نتأكد من وجود سلام داخل أي مجتمع فعلينا أن نبحث عن المصالحة مع النفس داخل الأفراد.. والحقيقة أن إعلان رئىس الجمهورية عن وقف العمليات العسكرية في صعدة كشف عن القناع الذي يتوارى البعض خلفه وخاصة أولئك الذين أصرّوا على حسم المعركة عسكرياً، مما يعني أن الأزمة في جوهرها أزمة صراعات مكتومة داخل نفوس هؤلاء الذين عطلوا التنمية في البلد ودفعوا بمسارات العمل الوطني في اتجاهات مكلفة وغير مجدية، ومدّوا أيديهم إلى الخارج على حساب الوطن. ومن يقرأ التاريخ يجد فيه خير واعظ وموجّه، فهو يقر أن الشعوب المتصالحة مع نفسها هي الشعوب التي تتوافر فيها كل ضمانات الحرية والمسؤولية واحترام حقوق الإنسان التي كفلتها الديانات والشرائع السماوية والدساتير الوطنية. وخلال سنة فقط ظهرت منظمتان خارج الإطار القانوني أثارتا ضجيجاً إعلامياً وشعبياً، وتوجهت أصابع الاتهام إلى القائمين على هاتين المنظمتين بأنهم يعملون بدافع خارجي، وأثبتت الأيام صدق هذه المقولة حينما صرّح القائمون على هاتين المنظمتين بأن وقف الحرب في صعدة قبل القضاء الكلي على الحوثيين يعد خيانة وطنية. أعتقد أن أخطر ما يتسلل إلى عقل المواطن اليمني هو القول: لماذا تصطف المعارضة مع هؤلاء الذين لم يرتووا من الدماء التي سالت منذ قيام الثورة وحتى الآن والذين هم اليوم جزء أساس من حزب هو عضو في اللقاء المشترك؟!. لقد كان بالإمكان فهم مطلب المعارضة حينما كانت تريد أن تقنعنا أن اللقاء المشترك سيكون رافداً حقيقياً للتحولات السياسية في البلد، لكن استمراره وبالشكل القائم شيء يصعب فهمه الآن، لأن جميع الشواهد تشير إلى أن ما يجري هنا وهناك هو حراك مدفوع الثمن من الخارج. لقد تحالفت أحزاب اليسار مع حزب يقوم على العصبية الإقصائية، وهو يتحين الفرصة لاختطاف الدولة باسم الدين، كما أن هذا الحزب يملك تحت معطفه جماعات متطرفة فكرياً ودينياً. والوطن اليوم في أمسِّ الحاجة إلى الأصوات الحكيمة داخل المعارضة لتعبّر عن رأيها تجاه ما يجري من إعداد للفوضى في بعض المناطق الجنوبية أو تجاه تلك الأصوات التي صدمت بإعلان رئىس الجمهورية وقف العمليات العسكرية في صعدة والتي كشفت عن نواياها الحقيقية ومصلحتها في استمرار الحرب والتدمير.. أعتقد أنه حان الوقت للعقلاء داخل اللقاء المشترك أن يدركوا أنهم استخدموا لتحقيق مصالح غيرهم. وفي اعتقادي أن حالة الالتباس المعقدة والأجواء الجديدة والتردد بشأن لجنة الانتخابات ليست بعيدة عن مشاعر القلق المتنامية لدى العقلاء داخل اللقاء المشترك.. فالمستفيد الحقيقي من القطيعة بين المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك هم أفراد وجماعات قد عبّروا عن أنفسهم بوضوح تجاه ما يجري في الساحة من محاصرة للديمقراطية والحريات بشكل عام، وهم المستفيد الأكبر على عكس هذه الأحزاب التي ستدفع الثمن الأكبر حينما تتراجع لصالح هذه القوى التقليدية المكبلة للتنمية والدولة الحديثة. نحن في زمن الديمقراطية التي تقوم على الحوار، وليس من حق أحد أن يتشنج ويرتدي عباءة المزايدة باسم الحرص على الدين، فالإسلام أمرنا بضرورة الحوار العقلاني تحت مظلة الرغبة في التفاهم ونبذ القطيعة والكراهية. إننا أمام مجاميع متشنجة تتكاثر كالطفيليات بسبب استغلال تديّن هذا الشعب، وتسعى إلى بث سمومها في أوساط البسطاء الذين لا يفرقون بين ظاهر الحق وباطن الباطل. كم سنكون سعداء فيما لو أن اللقاء المشترك عاد إلى جادة الصواب وعمل على فضح أولئك الذين كشفوا عن أنفسهم مؤخراً بأنهم يعملون بإيعاز من الخارج.. لقد عرّى هؤلاء أنفسهم حينما بلغوا حد الدخول في المناطق المحظورة والخطيرة عندما أقدموا على تحميل رئىس الجمهورية مسؤولية وقف العمليات العسكرية في صعدة. إنني لست بحاجة إلى تذكير المعارضة والحزب الحاكم بأن الفترة الراهنة تحتاج إلى قراءة جديدة للواقع الإقليمي والدولي قراءة دقيقة تقوم على الوعي والإدراك بأننا إزاء مرحلة جديدة بحسابات جديدة، وهو ما يتطلب بناء تصور مشترك من الطرفين حول كيفية التعامل مع هذه الأوضاع والحسابات ومحاصرة القوى الداخلية التي تستخدم في تنفيذ هذه الحسابات. إننا أمام لحظة فاصلة من تاريخ شعبنا تستلزم تعاملاً وطنياً يسهم في تفادي المخاطر المحتملة، فالخارج لا يستطيع أن يعبث في أقدارنا ومصائرنا مالم يكن له سند من صراعات مكتومة داخل الوطن. توجد اليوم فرصة تاريخية للتلاقي بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة التي تريد مستقبلاً آمناً لهذا الوطن، لابد من ذلك بهدف إجهاض المشاريع المستترة التي تحاك ضد الوطن. وكما ذكرت سابقاً أن المشاريع الصغيرة إذا لم يتصد لها مشروع وطني كبير فإنها ستبقى كالطفيليات تتعيش على حساب حاضرنا ومستقبلنا. علينا أن نفعّل مفهوم «الشعب» ومفهوم «المواطن» ونغلبهما على الانتماءات الضيقة؛ وإلا ضاعت الاتجاهات، وتهنا في المشاريع الصغيرة لأصحاب العصبيات المعيقة لبناء دولة النظام والقانون. إن التقاط الفرص المتاحة عنوان الوعي السياسي للأحزاب الناهضة.