أعترف أن السنوات الثلاث بعد العقد الثالث التي فيها أبحرت ومازالت،فوق سفينة صاحبة الجلالة «الصحافة»،قد انستني اليوم أشياء جميلة جداً لاتعوض مطلقاً خاصة وأن العمر قد بدأ - كما أشعر- بقرب رحيله عن الدنيا نعم أنستني سنوات الرحلة مراهقة الشباب وجنون العشق الإنساني.. انستني أن أتعلم الحب تحت ضوء القمر وموسيقى أغصان الأشجار.. انستني رحلتي المتواصلة مع صاحبة الجلالة أن الحب لايخزن أو يجمد حتى بعد ثلاثين عاماً.. وأعترف أيضاً أننا معشر «المساكين» عفواً العاملين في حضرة صاحبة الجلالة، كأقلام الرصاص تبددها الأيام وليس السنون حتى تصل إلى قطعة لاتستطيع الأصابع احتضانها فترص على الأرض دون ذكرى،لأننا وهذا واحد من الأسباب لم نتصالح في كثير من الأحيان مع الذين كانوا يكتبون معاناتهم بأقلامنا «الرصاص» !! قليلون ممن ادركوا ذلك في رحلتهم وظلوا اليوم خالدين في قلوب وذاكرة البسطاء.. اعتراف ثالث أبوح به وأنا في هذا العمر،أن صاحبة الجلالة سرقت مني ثلاثة أعوام بعد العقد الثالث ولم آخذ منها بعد هذه السنوات غير اسمي الذي أجده باستمرار مرمياً مع باقي الحروف والكلمات والحكايات التي تحمل معاناة البسطاء وأحلام العاشقين وسمفونية العشق لوطن لا أستطيع العيش خارج جغرافيته،أجد كل ذلك مرمياً في إحدى «الزبالات» بعد أن لف ببقايا الطعام،وهذا المؤلم أجده مع أسماء أخرى كان يجب أن تكون فوق الجباه .. لا في الرصيف!! بقى لي اعتراف أعتبره «تقبلاً» على نفسي المسكونة في حب وعشق «الصحافة» المرتبطة بانتمائي للوطن.. واعترافي هذا مجسداً في أسئلة.. لنفسي وأنا كما أخبرني المدير الإداري على مقربة من التقاعد،أي توديع المهنة رسمياً بعد بلوغي أحد الاجلين في منتصف العام 0102م. ماذا أعطتني «الصحافة» لمواجهة الحياة بعد الخروج إلى التقاعد؟! هذا السؤال الذي تختزن في داخله مجموعة أسئلة وجدت الإجابة عليه بعد أن تحسست واقعي أن «الصحافة» أخذت أجمل سنوات عمري وألبستني المرض الذي لم أجد من يقف معي في مواجهته ولا أقصد مساعدة الزملاء المادية،بل رعاية ودعم الجهات وكذلك المؤسسات المعنية بالعمل الإعلامي وكذلك المسؤولين عن هذا الإعلام الرسمي والحزبي،وكما يقول المثل «حمار مات بشقاه». لقد أفزعني الواقع الذي أعيش فيه اليوم وأنا في المهنة !! فكيف هو الواقع بعد الخروج منها، فبدلاً من الراحة والهدوء وتقديم الخبرة لمن جاءوا بعدنا،سنجد أنفسنا في «حيص بيص» نبحث عن من يقدم لنا المساعدة للعيش الكريم.. وهو واقع للأسف يعيشه الصحافيون والإعلاميون الذين رحلوا وسيرحلون وهم يحلمون بتحسين معيشتهم وإخراج الكادر الوظيفي من أدراج المعنيين إلى الواقع كما حدث لكثير من المهن منها الطبية والتعليمية والمهندسون والطيارون...إلخ. إلا معشر الصحافيين أو كما قلت في مقدمة موضوعي هذا: «المساكين». والله من وراء القصد