صدقوني لو قلت لكم إنني لم أعد أتذكر كم مرة زرت مدينة «تعز» الجميلة، وإن كان آخر مرة في نهاية ابريل من العام الجاري 8002م بدعوة كريمة من مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة.لكنني أتذكر جيداً زيارتي الأولى والتي ما زالت محفورة في ذهني ليس لأنني حققت حلماً جميلاً كان يراودني منذ سنوات طويلة في زيارة هذه المدينة وما تعلق في ذهني من حكايات لروعتها سمعتها من زملاء قدموا إلى عدن من تعز قبل أكثر من ثلاثة عقود «ثلاثين عاماً»، بل لغرابة وحكاية هذه الزيارة التي كانت في نهاية الأسبوع الأول من شهر رمضان عام 0141ه أي قبل تسعة عشر عاماً، ولا أتذكر في أي شهر ميلادي كان شهر رمضان المبارك حينها...ولكنه كان قبل أشهر من إعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة في الثاني والعشرين من مايو0991م.. تربطني بمدينة تعز قبل أن أشاهدها لأول مرة فواصل التقاء كثيرة منها ماهي عامة ووطنية ومنها شخصية وسأترك الحديث حول ذلك في مواضيع قادمة، لأكتفي في موضوع اليوم لظرافة الموقف الذي جعلني دون أن أدري وجهاً لوجه مع مدينة «تعز» في زمن لايتجاوز ثلاث ساعات من بيتي في عدن إلى الحالمة وتحديداً في منطقة «المسبح» وكذلك ما شاهدته في هذه المدينة, الحلم الذي تحقق بعد سنوات طويلة ظل محبوساً في دواخلي. في ظهر إحدى أيام شهر الخير والبركة شهر رمضان من عام 0141ه خرجت بالسيارة أنا وزوجتي للتسوق وقضاء الوقت حتى قرب موعد الإفطار.. ونحن في السيارة تبادلنا الحديث عن شوقي لزيارة تعز واستغلال التنقل بين الشطرين «سابقاً» بالبطاقة الشخصية.. زوجتي من بنات تعز وهي احدى روابطي بهذه المدينة أو المحافظة الواسعة...استمر الحديث بيننا وامتد دون أن ندري إلى أين نتجه بالسيارة حتى وجدنا أنفسنا أمام مركز فيه عدد من رجال الأمن .. منظر المكان الذي لم أزره أو أشاهده من قبل كان غريباً ...عدد كبير من السيارات وتجمهر عدد من الناس.. عرفت أن المكان مركز حدودي بين ماكان يسمى الشطر الجنوبي والشطر الشمالي من الوطن الحبيب .. اندفعت الزوجة دون علمي بعد أن أخذت بطاقتي الشخصية التي كانت في حافظة السيارة إلى مبنى مزدحم بالناس وجنود...وبعد نصف ساعة عادت معها استمارة دخول شمال الوطن...سألتها: ماذا تحملين؟ قالت: مفتاح تحقيق حلمك القديم والجديد « ساعة ونصف ياحبيبي و ستقابل حبيبتك تعز » هكذا قالت وانطلقت بالسيارة وأنا في لحظات اندهاش..لم نفكر في البيت بعدن.. ولا بأهلينا الذين لم نخبرهم أننا سنكون في تعز بدلاً عن سوق اللحم والفواكه بمنطقة الشيخ عثمان بعدن. مناظر جميلة، أراضٍ خضراء زخات المطر ترافقنا ونحن نعبر قرية وأخرى حتى كان اللقاء الكبير...قالت زوجتي: «أنت الآن في الحوبان مدخل مدينة تعز» صدقوني أنني شاهدت في تلك اللحظة ماهو أجمل مافي العقل من صور رسمتها من حديث الزملاء...مدينة تعج بالناس...فواكه تفترش جوانب الأرصفة لدى الباعة...أسعارها أقل بعشر مرات عن سعر اليوم. وكلها من أرض تعز وليس من خارج اليمن.. سألت الزوجة: إلى أين نتجه وقد وصلنا تعز...أنا كنت أتمنى حينها أن نصعد جبل «صبر»..وقالت هي : «غداً سنصعد أما الآن سأتجه إلى منزل الأهل في منطقة المسبح» في تعز عرفت أن اليمن واحدة والشعب واحد وخير الأرض سيكفي الوطن كله.. في تعز عرفت أن المواطن اليمني في تعز مثقف بالفطرة.. ولاتختلف طبائعه وسلوكه عن ابناء عدن...«تعز» مدينة ساحرة وهبها الله جمال الطبيعة ولكن الإنسان لم يفهم هذا العطاء الإلهي..شاهدت وسكنت ساعات في جبل «صبر» وأدمنت عشقه فأنا في كل زيارة ولو لساعات أقوم بها لتعز أجد نفسي مشدوداً إلى هذا الجبل الذي يحتضن جمال وخضرة الطبيعة وحسن الوجه الذي لم أشاهد مثله في اليمن..خرجت من عدن لشراء اللحم ووجدت نفسي دون أن أدري في أحضان حبيبتي وعشيقتي تعز...وللحكاية بقية وشهر كريم.