تتبعت مؤلفات “ أدونيس “ منذ “ أغاني مهيار الدمشقي، وفاتحة لنهايات القرن، والثابت المتحول بأجزائه ، وزمن الشعر، ومقدمة للشعر العربي، والصوفية والسريالية، وديوان الشعر العربي وأمس الكتاب الآن ، ومفرد بصيغة الجمع .. الخ “.. وكثير من كتاباته ورؤاه، وتابعت مناظراته. وأنا أعتقد أنه يتمتع بموهبة استثنائية وسحر لغوي، وبذكاء حقيقي مقرون بثقافة عالية. ولكنه يتعامل مع التاريخ الإسلامي تعاملاً يتّسم بدرجة عالية من القسوة، ويسلخ هذا التاريخ العربي الإسلامي من كل تواريخ البشرية سلخاً يتبدى وكأنه سلخ غير مفهوم، بمعنى أنني عندما أتكلم عن تاريخ التعذيب في الإسلام، وعن تاريخ الدماء في الإسلام، وعن تاريخ الصراعات في الإسلام لست معنياً بتبرير تلك الحقائق، ولكنني معني بالاشارة إلى إنها ليست الوحيدة في تواريخ العنف البشري. ففي أوروبا التاريخية كانوا أكثر قسوة ، فإذا كان أسلافنا يسملون العيون، ففي تاريخهم يخلعون الجلود، وإذا كانوا يقتلون بالسيف في عوالمنا العربية ، فانهم كانوا يخوزقون الناس. هذه ليست مناظرة بيننا وبين أوروبا، ولكن تاريخ الوحشية التي جاءت من تضاعيف الأديان، وكذبت باسم الأديان. الأديان الموحدة الثلاثة، لا علاقة لها بالنصوص الأصلية، وهي ليست حكراً على المسلمين والعرب، بل إنني أزعم أن العرب والمسلمين أقل فداحة في وحشيتهم التاريخية. ألاحظ هذا البعد عند أدونيس وهو بُعد يكرسه، ولا أدري لماذا يكرسه بهذا الإمعان. الشيء الآخر، وهو مهم جداً، أنه عندما يقوم بتصنيف إجرائي توصيفي للاتباع والإبداع في التاريخ العربي الإسلامي، ينتخب انتخابات يميل فيها إلى الألوان الفاقعة. أنا لا أستطيع أن أعتبر محمد بن حامد الغزالي، على سبيل المثال، متبعاً نمطياً تقليدياً، بل كان وسطياً مجدداً، وبعض أئمة الشيعة كانوا مجددين أيضاً. الاختيارات المُمْعنة في تكريس التصادمية الحادة بين الاتباع والإبداع صفة أساسية في كتابات أدونيس. فمن لا يعترف مثلاً بأن شعر الصعاليك شعر تمردي ؟ ومن لا يعترف بأن في التصوف أبعاداً جميلة جداً ؟ أنا لا أختلف معه في هذه الأشياء.. من لا يعترف بالشكين الكبار الذين كانوا موجودين ؟ من لا يعترف بجابر بن حيان والتوحيدي ؟ كل هذه أمور جيدة ذكرها أدونيس، ولكن المهم في الأمر أن لا أضع هذا النوع من التوصيف الإجرائي في نوع من الاستغراق التمازجي الفاقع مع الذات، وخاصة فيما يتعلق بأمر التعامل مع تاريخنا الخاص، دون أن ندافع عن هذا التاريخ بحال من الأحوال.