لم تنجح الحلول الإسعافية التي اتخذتها الإدارة الأمريكية بضخ 007 مليار دولار من الخزينة الأمريكية في وقف انهيار المؤسسات والمصارف المالية الأمريكية وإنقاذها من الإفلاس وإعادة الثقة للمستثمرين والمتعاملين مع المصارف الأمريكية. وول إستريت وبقية المؤسسات المالية الأمريكية كانت تمثل رمزاً من رموز الرأسمالية وكانت قوتها الاقتصادية برهاناً ساطعاً على نجاح النظرية الرأسمالية كمنظومة اقتصادية خضع لأجلها البعد السياسي والبعد الاجتماعي، هذا الانهيار دفع بالكثير من المفكرين والسياسيين للدعوة إلى إعادة النظر في النظام الرأسمالي وإعادة تهذيبه كما قال الرئيس الفرنسي ساركوزي. تأثير هذا الانهيار لم يقتصر على الاقتصاد الأمريكي أو على المرتبطين بالاقتصاد الأمريكي بصورة مباشرة، فانعدام السيولة النقدية دفع إلى ركود اقتصادي أدى إلى انخفاض أسعار النفط وهو ما يؤثر على الدول التي تعتمد في اقتصادياتها على النفط بصورة أساسية وسيؤدي على المدى البعيد إلى كساد اقتصادي وهو ما سيخفض من مستوى النمو الاقتصادي لمعظم دول العالم. المدى الذي يمكن أن تلحقه الأزمة المالية العالمية بالاقتصاديات العربية وحجم الخسائر المتوقعة لم يتبين بعد بصورته الكاملة، فالتباين في وجهات النظر قائم على أساس انعدام الشفافية والوضوح في مواقف وآراء المؤسسات المالية الحكومية العربية إلاّ أن المحللين الاقتصاديين وبإجماع شبه كامل يقولون: إن الأموال العربية، وتحديداً الخليجية المُودعة في المصارف والمؤسسات المالية الغربية وخصوصاً الأمريكية منها وكذلك الاستثمارات سواء للأفراد أو للصناديق السيادية العربية أو شركات الاستثمار العربية في المؤسسات المالية الغربية قد طالتها الخسائر بصورة شبه كاملة، إلاّ أن المؤسسات المالية الخليجية والعربية لم تعلن عن حجم هذه الخسائر حتى لا تتأثر الأسواق والبورصات الخليجية بصورة أكبر وتنعدم ثقة المتعاملين مع هذه الأسواق، ويذهب بعض المحللين إلى أن حجم ما خسرته المؤسسات المالية الخليجية أكبر بكثير مما حققته من مكاسب جراء ارتفاع أسعار النفط في السنوات الأخيرة. التداخل في التعاملات المالية بين الأسواق الخليجية والأسواق الغربية فاقم من حجم هذه الأزمة بينما تأثير هذه الأزمة على الدول العربية الأخرى كان محدوداً بسبب ندرة وقلة التعاملات المالية بين الأسواق المالية الغربية والأسواق العربية للدول الأخرى. كيف وقعت هذه الخسائر وأين ذهبت هذه الأموال؟ أم أن هذه الخسائر وهمية بهدف تأميم أموال المستثمرين؟ ما رشح عن هذه الأزمة أن الأموال ذهبت إلى جيب المواطن الأمريكي الذي عاش في رفاهية وبحبوحة على حساب الآخرين فحصل على قروض بملايين الدولارات لبناء العقارات وشراء السيارات وعندما عجز عن تسديد هذه القروض على العالم أن يدفع بالنيابة عنه. الأموال العربية المستثمرة في الغرب تزيد عن (5.1) تريليون دولار وهي ميزانية جميع الدول الأفريقية مجتمعة لمدة ثلاث سنوات، هذه الأموال ذهبت لخدمة المواطن الأمريكي بينما المواطن العربي يعاني شظف العيش والبطالة تفتك بالشباب العربي حتى في الدول النفطية، فحسب تقرير منظمة العمل العربي تحتاج الدول العربية لأكثر من (07) مليون فرصة عمل خلال العشر السنوات القادمة. الحاجة إلى الغذاء تزداد كل عام في الوطن العربي والأراضي الزراعية متوفرة في السودان والشام واليمن.. فقط تحتاج إلى أموال لاستغلالها وغيرها الكثير من القضايا.. وسط هذا الكم الهائل من المخاوف والقلق من انعكاسات هذه الأزمة، تأتي أهمية إعادة قراءتها من قبل السياسيين العرب قبل الاقتصاديين لأن القرار بحاجة إلى إرادة سياسية فقط، فالدول التي تمتلك فائضاً مالياً تستطيع استثماره في مشاريع إنتاجية في الداخل أو توفر فرص عمل للعمالة العربية في الدول التي تمتلك فائضاً من العمالة أو تقيم هذه المشاريع في الدول العربية الأخرى، ويمكن الاستثمار في المجالات العقارية والزراعية في معظم الدول العربية، كما أنه يمكن للدول العربية مثل اليمن ومصر وسوريا والأردن... إلخ استغلال هذه الأزمة بحيث تتحول إلى أرض خصبة للاستثمار وتقدم دراسات لمشاريع استثمارية آمنة للاستثمارات الخليجية أولاً، والاستثمارات الأخرى، لأن البيئة الاستثمارية الغربية أصبحت بيئة طاردة للاستثمار.. فهل يدرك العرب هذه اللحظة الفارقة؟