عندما كنت في القاهرة أواخر رمضان الكريم لفت نظري الكاتب الكبير مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين المصريين إلى واحدة من أكثر الدلالات التي لاتخطئها العين والتي تؤكد حقيقة واحدية الثورة اليمنية «سبتمبر وأكتوبر» وذلك عندما أشار إلى غرفة العمليات العسكرية التي احتضنتها مدينة تعز بعد ثورة 41أكتوبر، حيث أسهمت هذه الغرفة في تدريب المتطوعين من أبناء الشعب سواء القادمين من المحافظات الجنوبية أو من المحافظات الشمالية. وكانت القوات المصرية قد اعتمدت وقتها خطة سميت فيما بعد بعملية صلاح الدين، حيث نقلت القوات المصرية جانباً من الأسلحة التي حصلت عليها من بريطانيا إلى تعز ومن ثم إلى جبال ردفان والضالع ومناطق أخرى متاخمة لمدينة عدن حتى يتمكن الفدائيون من تنفيذ عمليات فدائية دون أن يدرك البريطانيون أن ثمة سلاحاً يتدفق من مصر لأنهم يعرفون أن الأسلحة المصرية روسية الصنع. ومن الأسرار التي يمكن روايتها في هذا السياق وقد استمعت إليها بنفسي أن الرئيس علي عبدالله صالح عندما كان يافعاً في تلك الفترة قد قاد مع زملاء له قافلة صغيرة من الجمال وعلى ظهرها كميات من الأسلحة والذخائر من مدينة تعز مروراً بمناطق وعرة في لحج حتى تمكنوا من ايصالها إلى مجموعات فدائية في عدن وأبين دون أن يتنبه إليهم أحد، حيث اعتمدوا على طرق وعرة وغير مسلوكة فضلاً إلى قدرة كبيرة في التخفي واعتماد أوقات معينة في التحرك والمبيت حتى نجحت هذه المهمة. وثمة قصة أخرى رواها لي الأستاذ الصحفي المصري يوسف الشريف الذي زار اليمن أكثر من أربعين مرة، وكتب عنها كتاب «أربعون زيارة وألف حكاية» عندما أشار إلى أن عملية «صلاح الدين» التي كانت تهدف إلى تنفيذ حرب استنزاف ضد قوات الاستعمار البريطاني في عدن قد نجحت في تحقيق أهدافها، وأثبتت أن الدور المصري في اليمن لم يقتصر وقتها على دعم ثورة 62سبتمبر فحسب، بل في دعم ثورة 41أكتوبر، وهو مايشير أيضاً إلى واحدية هذه الثورة، فلقد اختير لقيادة هذه العملية شخصية صحافية مصرية، وطلب إليه التدرب على اللهجة اليمنية وتربية لحيته للتعامل مع مختلف الظروف في تهريب شحنات الأسلحة والذخائر من مدينة تعز إلى مناطق جنوبية كثيرة، ومنها كان الفدائيون يستلمون الأسلحة والذخائر. أردت من إيراد مثل هذه الحكايات إلى تأكيد حقيقة واحدية الثورة، وهي مليئة بالشواهد والأدلة عليها، سواء في القوافل البشرية التي اتجهت من المناطق الجنوبية إلى مناصرة ثورة 62سبتمبر 2691م وما تلاها من ملاحم الصمود والبطولة، في حرب السبعين، أو في حجم الدعم والمساندة التي حصلت عليها ثورة 41أكتوبر من أجل الاستقلال والتحرر من الاستعمار البريطاني. وبالتالي فإن هذه الثورة التي تحققت بفضل تضحيات الأبطال من اليمنيين الذين صاغوا ملحمة مشتركة في تلك المرحلة قد أنجزت أهم طموحات اليمانيين المتمثلة في إنجاز المشروع الوحدوي أعظم منجز حضاري في تاريخ الشعب اليمني وفي تاريخ الأمة العربية. هذه الثورة التي نحتفل بمنجزاتها اليوم هي عصية على كل دعاة الانهزام وأصوات التشاؤم !.