كثر اللغط مؤخراً حول كيفية إدارة كارثة الأمطار والسيول التي ضربت عدداً من المناطق اليمنية، خاصة الشرقية منها، لدرجة تحول الكلام إلى تشكيك بجهود المغيثين، وصل حد اتهام البعض باستثمار الكارثة لتحقيق منافع شخصية، مع أن الأشخاص الذين يشرفون على أعمال الإغاثة، سواء كانوا مسؤولين في الدولة أم متطوعين مشهود للكثيرين منهم بالكفاءة والنزاهة.. وعلى الرغم من كثرة الحديث عن هذه القضية وكثرة النافيين لمثل هذه الممارسات، إلا أننا نجد أنفسنا أمام وضع غير طبيعي، وفي مواقف كهذه تكثر التفسيرات بشأن كيفية إدارة النكبات التي تحل بنا بين وقت وآخر، وكان آخرها ما حلّت بأهالينا في محافظة حضرموت، حيث طمرت قرى بأكملها، ووجد الناس أنفسهم بين ليلة وضحاها مشردين لا مأوى لهم ولا غذاء ولا كساء. لا يجب أن نقف كثيراً أمام هذه الاتهامات والاتهامات المتبادلة، مع تأكيدي على ضرورة محاسبة أي مقصر كان أراد استغلال هذه الكارثة الإنسانية لمصالح شخصية، لأن المأساة التي مررنا ونمر بها منذ أسبوعين تجعل الجميع شديدي الحرص على تقديم كل ما لديهم لمساعدة المنكوبين. لكن أزمة الأمطار والسيول الأخيرة يجب أن تجعلنا نعيد التفكير بما سكتنا عنه لسنوات طويلة من إهمال طال كل شيء، المباني العشوائية والخدمات التحتية السيئة التي دفعنا اليوم ثمنها بشراً وإمكانيات. الانتقادات وحدها لا تكفي إذ يجب معاقبة كل من تأكد أنه شارك في وصول الأوضاع إلى ما هي عليه اليوم، لأن وقوع كارثة أخرى مثل تلك التي شهدناها في حضرموت والمهرة والحديدة لوجدنا أنفسنا جميعاً خارج المدن، ولوجدنا صنعاء القديمة وزبيد والجوف وشبام وغيرها من المدن التأريخية تختفي تحت ضربات الأمطار والسيول. نحن بحاجة إلى إدارة الأزمات والكوارث بشكل جيد، شكل يحافظ لنا على ما تبقى من مدننا القديمة وتأريخنا الذي ينطمر مع كل موجة أمطار تحت الطين والأوحال، ونجد أنفسنا ندفع سنوياً ثمن أخطاء يمكن أن لا نقع فيها. إدارة الأزمات والكوارث، كما هو حال القيادة بالضبط، فن يجب التعامل معه من الآن وصاعداً بنوع من الواقعية، لأن ما حدث كشف لنا أننا فقراء في إدارة الأزمات والنكبات كما يحدث في بقية دول العالم التي تواجه كوارث أكبر بكثير مما حصل لنا. لقد اكتشفنا أننا نحتاج فعلاً إلى إعادة نظر في كل شيء يتعلق بحياتنا وإدارة أمورنا بشكل شفاف دون محاباة ولا مواربة، إعادة نظر تجعلنا في مأمن من الكوارث التي لحقت بنا وجعلتنا نلتهم بعضنا البعض بالانتقادات والاتهامات التي قد تكبر في الأيام المقبلة وتحولها إلى معارك.