اليمن بلد شبه صحراوي فيما عدا المنطقة الوسطى والغربية منه ويرجع السبب في ذلك للجبال التي حولته إلى منطقة مطرية ضمن المناطق المدارية ولولا الجبال في اليمن لكانت اليمن جزء من صحراء الربع الخالي وتلك مشيئة الله تعالى. المياه سواء كانت على شكل غيول أم آبار أم ينابيع هي مصدر الحياة وديمومتها ومما يذكره الباحثون أن المدن عندما لا يتوافر فيها الماء الكافي للري والارتواء، فإنها لا تلبث أن تضمحل وتنتهي، والأمثلة على ذلك كثيرة، فمدينة العمار في صحراء راجاستان بالهند، كانت تعد إحدى المحطات الهامة على طريق القوافل، لكنها هجرت وفقدت أهميتها نتيجة لنقص الماء، وحضارة سبأ خير شاهد فعندما انهار السد انهارت حضارة سبأ وحمير. لكننا مع ذلك نهدر مواردنا المائية والبيئية بأنفسنا ونحول الأرض التي سكنها آباؤنا وأجدادنا إلى أرض صحراوية ووديان قاحلة وجافة بسبب الاستنزاف الجائر للأحواض المائية ومناطق التغذية لتلك الغيول من خلال الحفر العشوائي للآبار ليس لغرض الزراعة وحدها ولكن المتسبب الرئيس لذلك هو تلك الشجرة التي ابتليت بها بلادنا منذ قرون ولكن القرن الحادي والعشرين هو قرن «القات» في اليمن الذي يكاد بعد فترة من الزمن أن يهدد بقاءنا من خلال استنزاف ماتبقى من مخزون المياه وما تبقى من وجوه البشر التي يفتك بها مرض السرطان الذي أصبح يهدد متناولي شجرة القات نتيجة للاستخدام السيء للمبيدات الزراعية الخطيرة في عملية زراعة القات وإنتاجه. فإذا كانت الأودية والغيول التي تجري في بلادنا هي عصب الحياة أو كما يقال مصر هبة النيل فإن اليمن هبة الغيول والأودية التي سكنها الإنسان اليمني منذ أقدم العصور إلى يومنا هذا وعليها أقام حضارته وبنى مدرجاته الزراعية وقراه وخلال هذه الفترة استطاع الإنسان اليمني أن يعمل مايسمى بعصرنا الحالي التنمية المستدامة من خلال الاستغلال الأمثل للبيئة والموارد المحيطة به، فمما يذكره المؤرخون في غيول صنعاء التي كان يعتمد عليها أهل صنعاء في الشرب والاستخدام المنزلي والزراعة والتي جفت في العصر الحالي غيل البرمكي: قام محمد بن خالد البرمكي باستخراج وجر وشق غيل البرمكي «سنة 183ه 800 799م» في زمن الخليفة هارون الرشيد، حيث استفاد من هذا الغيل أهل صنعاء، واختفى ذكره في المصادر التاريخية حتى العصر الأيوبي، حينما قام السلطان طغتكين الأيوبي بإجراء إصلاحات عليه.. والغيل الأسود وهو أشهرها والذي تذكره المصادر بداية من عام 803ه وأمر بإصلاحه ابن صلاح الدين الأيوبي وظل ماؤه يجري حتى عام 1971م، إلا أن الملاحظ اليوم أن كثيراً من الغيول في أودية اليمن المشهورة هي الأخرى اتجهت نحو النضوب سواء في فصول الأمطار أم في فصول الجفاف بل إن بعض الأودية كان معروفاً عنها استمرارية جريانها طوال أيام العام واليوم أصبحت تتجه رويداً رويداً نحو الجفاف والنضوب وبالتالي تتحول تلك الجنان الخضراء والقرى المعلقة على سفوح الجبال والوديان إلى أرض جافة ومزارع قاحلة وبيئة مدمرة وإنسان يبحث عن ملجأ يذهب إليه في عالم حول الحبوب إلى وقود واستخدم القمح كسلعة حرب وفي طريقة للاحتراب على مصادر المياه وبالتالي سوف ينطبق علينا المثل «تفرق القوم أيادي سبأ» كما انطبق على قوم سبأ من قبل. إن وديان بنا وسردود وزبيد وتبن وغيرها من وديان اليمن هي بأمس الحاجة إلى حماية حكومية وشعبية لما تبقى فيها من غيول جارية قبل أن تجف. إن المحافظة على الغيول والوديان والقيعان من الجفاف هو حفاظ على بقاء الإنسان اليمني وبيئته، ولنعمل جميعاً من أجل بقاء الغيول والوديان هبة الله لليمن.