ل ا أتصور أن القوات الأمريكية جاءت إلى العراق لترحل منه فالهدف الذي أعلنته الإدارة الأمريكية لتبرير حربها أبعد ما يكون عن المخطط الحقيقي للحرب والذي يتلخص في ترتيب أوضاع المنطقة على أسس جديدة .. تلك الأسس التي تم التعبير عنها قبل الحرب بفترة طويلة من خلال كتابات العسكريين والساسة الاستراتيجيين ممن اعتبروا سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيارات أوروبا الشرقية فرصة سانحة لنظام دولي جديد تقوده الولاياتالمتحدة . الاتفاقية الأمنية الجديدة تؤشر لانسحاب محتمل خلال العامين القادمين، لكن الاتفاقية ليست منشورة على الملأ، ولم أتمكن كأغلب المراقبين من قراءتها حتى نستبين الخيط الأبيض من الأسود ونتيقّن من أن هذا الانسحاب ليس محكوماً بشروط تعجيزية كتلك التي تجيدها إسرائيل عندما توقع على اتفاقيات مبادئ تتعلق بالأرض المحتلة، فالخبرة الإسرائيلية المراوغة ليست بعيدة عن منهج الجمهوريين الجدد، والعبرة ليست في التلويح بالانسحاب، بل بالتأكد من طبيعة وشروط ذلك الانسحاب وما يزد الطين بلة أن الحكومة الانتقالية في العراق لاسلطة لها على الأرض كما أنها حكومة تصريف أحوال لحين التحضير للانتخابات القادمة. ولا يبدو في الأفق أن لدى الحكومة الانتقالية القدرة على ضبط الوضع الأمني لأنها بالأساس حكومة أزمة تعيش وضعاً انتقالياً متوتراً بكل مافي الكلمة من معنى . ولأن بقاء قوات التحالف يمثل معادلة مزدوجة الوجه من حيث أنها لغير صالح أي حكومة عراقية .. أيضاً لكونها غير قابلة للخروج من مأزق الأزمة في المدى المنظور لأن الولاياتالمتحدة لا يمكنها أن تلغي حساباتها الاستراتيجية كما حساباتها الميدانية .. لذلك فإن الوضع العراقي مرشح للمزيد من الغموض المحفوف بالعنف