قليلون هم الذين يحسبون أعمارهم بالساعات والدقائق، فالثقافة الغالبة في مجتمعنا هي أن الزمن بلا قيمة، والدنيا فناء، و«اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب» ومن يجادلنا في شأن من حسابات المستقبل نرد عليه «ما ولد سميناه» أو «ما بدا بدينا عليه». ثقافتنا الشعبية مليئة بتراث «اللا مبالاة»، لذلك أصبح الأمر عادياً عندما نراجع إحدى الوزارات ويقال لنا إن «معالي الوزير» لم يأت بعد أو لن يأتي اليوم، حتى وإن تكرر الجواب على امتداد أسبوع أو أسبوعين أو حتى شهر، فقد أصبح هذا السلوك «سُنّة» في الغالبية العظمى من الوزارات والهيئات الحكومية، ولا أحد ينزعج من عدم وجود بديل لمعالي الوزير أو المدير العام، ربما لأنهم سبق أن جربوا الانزعاج ولم يكترث لأمرهم أحد. لا أدري كيف تقرأ وزارة الخدمة المدنية المشهد، أو كيف تفسر أن اليمنيين مجمعون على أن من لديه معاملة في مؤسسة حكومية لا ينبغي له المراجعة قبل الساعة العاشرة، بل ويفضل الحادية عشرة لضمان وصول الجميع ! للأسف الشديد أننا لا نسمع تحذيرات الخدمة المدنية إلا في إجازة العيدين، فيما بقية أيام السنة لا تذكرنا ولا نذكرها، في الوقت الذي أصبح الجزء الأعظم من مشاكل المجتمع مرتبطاً بالمعاملات المتأخرة لدى مؤسسات الدولة بسبب التسيب الوظيفي، أو أصبحنا نرى القطاع الخاص ينمو ويطور نفسه بينما القطاعات العامة تتعثر بالمشاكل والروتين، ولا تتحدث إلا عن عجز في موازناتها، وخسائر سنوية فادحة في ظل غياب المتابعة. لا أعتقد أن الإنسان خلق ليقف نصف عمره في الطوابير، وفي انتظار الوزير، أو الوكيل أو أي مسئول أو موظف لأيام وأسابيع.. ولا أعتقد أن من الذوق إن لم نقل احتراماً للإنسانية أن لا نجد في الوزارات من لديه العلم إن كان الوزير أو المسئول سيحضر غداً أم كما حاله اليوم. من يرتاد دواوين الوزارات سيؤلمه المشهد كثيراً حين يعرف أن بعض المراجعين قدموا من محافظات نائية، وأن هناك من يرد عليهم بكل بساطة بأن المسئول المعني «خرج يصطبح». وهذه العبارة «كليشة» شائعة في كل مكان للضحك على المراجعين، فيما موظفو المالية يتذرعون أن المعني «سار البنك» وإذا ما حضر فمن سابع المستحيلات أن يكون ذلك قبل أذان الظهر. وهذه الأيام خرج علينا أمناء الصناديق بموضة جديدة، وهي توزيع أرقام هواتفهم على المراجعين والطلب المتابعة عبر الموبايل تحت ذريعة «توفير الوقت» والحقيقة هي إبرام الصفقات والمساومة على المستحقات. لا نعرف متى سيحين زمن احترام الذات واحترام الآخرين، والإحساس بقيمة الزمن الذي يمر من أمامنا مهرولاً فيما نحن ننتظر وصول المسئول أو الموظف المعني، أو نتسكع في الطرقات إن كنا قادمين من محافظة أخرى ووجدنا باب المسئول مغلقاً، ولم تكن في رؤوسنا خطة بديلة للعمل الذي قصدناه.