لم يجد أحد النواب ما يتذرع به في معارضة تحديد السن الآمنة للزواج ب«17» سنة غير الحديث عن «الثقافة الجنسية» في مدارس البنات، والادعاء بتدريس كتيبات توزعها المنظمات تعلّم الفتيات الثقافة الجنسية. غير أنني مازلت أجهل سر ذلك النائب مع القذع والقذف ببناتنا بين الحين والآخر، كما لو كان هو وحده حامي أعراض اليمنيات الذي تأخذه الغيرة عليهن خلافاً للآباء والأمهات..!!. قبل أربعة أعوام تقريباً كان للنائب نفسه «غزوة» مماثلة، ولكن على المعلمات، ويومها خرجن في تظاهرات إلى مجلس النواب مدافعات عن سمعتهن التي شوهها هذا النائب. وكم تمنيت لو أن وزير التربية أو لجنة التعليم في مجلس النواب يطالبون بنسخ من «الكتيبات» الجنسية التي يتحدث عنها، وأسماء المدارس التي تدرّس فيها لإيقاع أشد العقاب بالقائمين عليها؛ وإلا فمعاقبة المدان بالقذف بالمحصنات طبقاً لما نص عليه شرع الله تعالى في سورة «النور»!. ما كنت سأخوض في هذا لولا أن لي بنات في المدارس، ولي حق في الرد «قانوني» وعليّ واجب «شرعي» في الدفاع عن أعراض المسلمات، فكلهن بناتنا، ومن كان يدعي قوة الإيمان فليغير المنكر بيده، أو ليأتي بحجة إلى المجلس، وإلا فأعراض المسلمات ليست للدعاية الانتخابية، ولا سبيلاً للشهرة..!. نعود إلى سن الزواج الآمن، وأتحفظ على لفظة «آمن» لأن توفر الأمان من عدمه مقرون بمستوى النضج العقلي، وبالبيئة، وبالنتائج المترتبة عنه، وبصلاح النفوس أيضاً، فقد نجد فتاة في عمر الستة عشر أكثر نضجاً وبلوغاً واحتراماً للحياة الزوجية عن أخرى في العشرين. لكننا نتحدث عن مجتمع بمثل ظروفنا، ترتفع فيه معدلات الجهل، والتخلف، والفقر، ويعيش ظواهر سلبية وإسقاطات ثقافية تتجاوز القيمة الإنسانية والأخلاقية لسن الزواج إلى الصيغة التجارية التي تفقد الزواج قدسيته، وتحط من قدره إلى حضيض الشهوة الجنسية والمقابل المادي. وبالتالي فنحن لا نحقق بذلك النوع من الزواج المهمة الإنسانية التي أراد بها الله تعالى إضافة لبنة متماسكة للبنية المجتمعية، فالأسرة هي عماد المجتمع. اليوم يقف علماؤنا أمام إشكالية التشريعات الدينية التي لا تمنع إطلاقاً الزواج المبكر، في نفس الوقت الذي يشعرون بخطورة الظاهرة اليمنية التي دفعت بالطفلة «نجود» وغيرها إلى استصراخ الجميع لإنقاذها من زوج يكبرها ثلاث مرات..!!. سأترك هنا المسألة الشرعية لأهل الذكر من العلماء؛ لكنني أعتقد أن المشرّع الديني لديه باب رحب للاجتهاد، وبحساب الضرر المترتب عن استمرارية الظاهرة، فإنه معني بحماية الحق الشرعي في الزواج من كل ما يفقده قيمته الأخلاقية أو غاياته الإنسانية، ومعني أيضاً بحماية حق الفتاة في الحياة الكريمة؛ بل حماية توازن المجتمع، طالما وقد أصبحت ظاهرة الطلاق حالة شائعة!. لذلك يصبح وجود قانون يحد من زواج الصغيرات حاجة ضرورية على الأقل في الوقت الحاضر الذي نفتقر فيه إلى الوعي، مثلما نفتقر إلى الإيمان القوي الذي نصون به قيم وأخلاقيات حياتنا الإنسانية.