لو أننا نحتفي بالأم في كل أيام السنة، بل يا ليتنا نفعل كما نفعل يوم 21 مارس، نحني الهامات، للأم، الأسرة، لمجرد إحياء مناسبة سنوية، نتجشم فيها الأفعال والإغداق بالمكرمات وللحظات.. ثم ينطوي اليوم بانتظار يوم آخر.. وما أكثر تلك الأيام التي نحتفي بها. عدت يا مارس.. وما أكثر الاحتفالات بك وفيك.. فيوم «8» عيد للمرأة، ويوم «15» يوم للمستهلك وعيد للمدينة العربية، و«21» عيد للأم «الأسرة» بما يعني تجسيداً مزدوجاً لمناسبة في مناسبتين تتعلقان بأغلى مخلوق هي الأم، الحياة الدنيا كلها. عدت يا مارس وبك يتجدد الفرح والترح «الحزن» .. كيف؟ الفرح يتجدد لمن هم يرفلون بنعيم الدنيا، لا ينقصهم شيء إلا التسبيح والحمد لله سبحانه، واهب النعم ومُديمها.. يفرح هؤلاء بتكريم الأمهات بالهدايا والقبلات والتهاني.. ومنهم من يرى ذلك احتفاءً مجرداً للأم.. في حين الآخرون يرونه للأسرة، ولا خلاف.. «فأسّ» الأسرة وعمادها هو «الأم»، وهل بدونها يكون وجوداً أو تكون حياة؟!. يفرح هؤلاء ونفرح نحن بما أنعم الله علينا من صحة وعافية وأمن وآمان..ونسعد ويسعدون هم، أولئك الذين تخلو حياتهم من هموم ومشكلات وأمراض وديون تقصم الظهر.. يفرحون ونفرح معهم ولهم، لكننا نشعر بنقص وعجز واكفهرار وجوه.. لا تقوى على سبر غور حياتها.. وهنا يكون العكس، يكون «الترح» الحزن، الآلام التي تعكس سوداوية الحياة وعبوسها؛ والسواد والعبوس في البشر. يأتي المرادف «الترح» العكسي، ويكون الاحتفاء بالبكاء والنواح والعويل، إزاء ما يحدث .. فالمريض والمتعب ومفارق الأحباب، أنى له أن يحتفي.. وكيف لمن فارقته أمه أو عزيز عليه، كيف لمعسر افتقد الصحة، كيف له أن يبتسم أو يفرح، كيف له أن يشارك الناس ما هم فيه في يومهم الجميل «عيد الأسرة»؟ ويا حسرتاه على أمثال هؤلاء.. ويا لهول الذكرى إن كانت مصادفة لليوم نفسه، هو أنت يا «21»؟!. نتذكر «أننا قبل عامين بالتمام» والكمال افتقدنا في هذا اليوم أستاذاً عالماً معلماً، شاعراً إنساناً كبير القلب بشوش الخلق، عظيم المسلك والعطاء. نتذكر فراق أستاذنا وحبيبنا المربي الفاضل والعلم البارز، مربي الأجيال وشاعر الشباب وصحافي عدن الجميل، محمد مجذوب علي، نتذكره وهو يئن في فراش المرض، والتضحيات التي قدمها طيلة «44» سنة، نتذكره في ذكراه الثانية للرحيل إلى الملكوت الأعلى.. نتذكره في هذه المناسبة التي شرّفه الله بها وقبضه إليه لتكون ذكرى خالدة عطرة، في حين هي تؤلمنا بقدر ما تسرنا، لكنها مشيئة الله ولا راد لها. إنها أتراح آل المجذوب، أتراحنا في مارس فليعصم الله قلوبهم جميعاً ونحن معهم «زوجته المخلصة الوفية، أبناؤه الأعزاء الذين أسماهم بأسماء يمانية تخليداً وحباً لليمن... «العيدروس، الهاشمي، الدودحية» و«يا دودحية أنا ابن عمك أنا.. أنت اللي تدري بمو تم بيننا..» والدودحية اليوم دكتورة، ربما تزوجت ابن عمها كما كان يتمنى لها أبوها، وكتب في ذلك شعراً خالداً لا يُنسى!. اختلطت الأفراح بالأتراح.. وهذه سنّة الحياة التي سنّها الله منذ الخليقة.. فلنفرح ونهنئ الأم، الاسرة ولنجعلها فوق الرؤوس وبين الجفون، لنرعاها ونحميها كل ثانية ودقيقة وساعة إلى نهاية العمر، لنرسخ الحب الأزلي لها في كل حركة وخفقة صدر وغمضة جفن، ترجمة حية للمناسبة، وليس في السنة مرة.. و«زوروني في السنة مرة» ....إلخ. ومع الأفراح وتذكرنا للأتراح.. لانملك إلا أن نتمنى لكل من صادف هذه الأيام ألماً أو حزناً أن يفرج الله عنهم ما هم فيه، وأن يجعلهم من السعداء المتحابين، وأن لا يريهم الله مكروهاً آخر.