في ذروة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي «سابقاً» كقائد للمنظومة الاشتراكية وأمريكا كرأس للنظام الرأسمالي كانت فيتنام وأفغانستان ساحتي تصفية الحسابات بين الطرفين، فالتحالف الشيوعي ألحق هزيمة مذلّة بالولايات المتحدةالأمريكية في الغابات الفيتنامية، وجاءت الفرصة للنظام الرأسمالي في الرد على ذلك في جبال افغانستان حين تدخل الجيش السوفيتي لدعم حليفه «نجيب الله». قلّبت ال«سي آي إيه» في ملفاتها فوجدت أن ورقة الإسلام هي الورقة الرابحة لمواجهة المد الأحمر في افغانستان، فتحركت في الساحة العربية والإسلامية في ظل تعاون أو غض الطرف لأجهزة الاستخبارات الوطنية لتعبئة الشباب للجهاد في افغانستان واستقطاب وتجنيد من تراه مناسباً لخدمة أهدافها ومصالحها. بعض الأنظمة العربية لم تدرك الأبعاد الاستخباراتية الأمريكية ولم تقرأ ملامح المستقبل الكارثي التي ستنتهي إليها أدلجة هؤلاء الشباب بالأفكار المتطرفة التي تنزع إلى عدم قبول الآخر وتكفيره، والبعض الآخر من الأنظمة وجدها فرصة للتخلص من هذه المجموعات بعد أن تجاوزت الخطوط الحمراء ووصلت خطورتها إلى اغتيال الرؤساء كما حدث للرئيس المصري «السادات» وأحداث مدينة حلب في سوريا في بداية الثمانينيات من القرن الماضي. هزيمة الاتحاد السوفيتي وانهيار المنظومة الاشتراكية وسيطرة الجماعات الجهادية على افغانستان ومن ثم دخولها في صراع مرير على السلطة ومطالبة بعض الأفغان برحيل ما سمي بالأفغان العرب حتى لا يتدخلون مع طرف ضد آخر عجلت من عودة آلاف الشباب إلى أوطانهم محملين بأفكار التطرف ومدربين على استخدام كافة أنواع الأسلحة وحرب العصابات ومُخترقين بصورة كبيرة من المخابرات الأمريكية والاسرائيلية. لم تنتبه الأنظمة العربية لخطورة عودة الآلاف ممن ألفوا الحرب والقتال في جبال تورا بورا وقندهار، فلم يتم إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع خصوصاً أن معظمهم لم يكمل تعليمه مما ساعدهم على إعادة ترتيب أفكارهم والبحث عن ساحات جديدة للجهاد، فكانت الصومال وقتال الأمريكان، وسحل الجنود الأمريكان في شوارع مقديشو وإعلان انسحابها بعد ذلك، فكانت أول لدغات الحنشان للمحنش الأمريكي وبدأ تنظيم القاعدة في ترتيب أوضاعه وتحديد وجهته الجديدة المتمثلة بالأنظمة العربية والمصالح الأمريكية والغربية فكان استهداف المصالح الغربية في مصر واستهداف السياح وارتفعت معها وتيرة المواجهة بين الأمريكان والأنظمة العربية من جهة وتنظيم القاعدة من جهة أخرى. وهنا يثار تساؤل: ماذا لو تم استيعاب العائدين من افغانستان وتم توفير فرص العمل للشباب والعاطلين منهم وتأهيل الآخرين، هل كانت النتائج ستكون أفضل؟!. والتساؤل الآخر هو: إلى أي مدى استطاعت المخابرات الاسرائيلية والأمريكية السيطرة على قرار تنظيم القاعدة وتوجيهه؟!. انتصار حركة طالبان في افغانستان وسيطرتها على معظم الأراضي الأفغانية باستثناء منطقة الشمال التي بقيت تحت قيادة أحمد شاه مسعود منح تنظيم القاعدة الملاذ الآمن لالتقاط أنفاسه وترتيب أوضاعه وتجميع عناصره، ولا يستبعد الدور الاسرائيلي في توجيه عملياته وتهيئة الظروف لتنفيذها، كما بينت نتائج تفجيرات 11 سبتمبر التي استهدفت الأبراج في نيويورك وبقاء المصالح الاسرائيلية بعيدة عن دائرة الاستهداف القاعدي. أخطاء السياسة الأمريكية وعودة القاعدة لا يختلف اثنان على أن سياسة التحيز الأمريكي في الشرق الأوسط ووقوفها إلى جانب اسرائيل طوال مراحل الصراع العربي الاسرائيلي سبب مباشر لزيادة نقمة العرب والمسلمين على أمريكا، إلا أن الأكثر تأثيراً هو دخولها حربين ضد افغانستانوالعراق واحتلالها لهما وانتشار الفوضى في هذين البلدين وتهيئة الأسباب لزيادة تأثير القاعدة على الشباب واستقطاب المزيد من الناقمين على السياسة الأمريكية وهو ما يفسر تزايد أعداد عناصر القاعدة في العراق «عراقيين وعرباً» في الوقت الذي كان نشاط القاعدة في العراق في ظل النظام السابق معدوماً. احتلال أمريكا للعراق أوجد جيلاً جديداً من القاعديين يحمل فكراً أكثر تشدداً، ويعتمد على عقيدة قتالية أشد فتكاً بالآخر، أساسها العمليات الانتحارية ولتنفيذها لم تفرق هذه العقيدة بين طفل أو امرأة أو معاق لتنفيذ عملياته وهو التطور الذي أقلق الجميع وعد انتهاكاً آخر من قبل القاعدة لأحكام الإسلام وشريعته السمحة وجعل من فئة الأطفال والنساء فئات مستهدفة للاستقطاب من قبل القاعدة فتم تنفيذ عمليات ارهابية لاتستهدف جنوداً أمريكيين في العراق بل تستهدف مدنيين عراقيين بواسطة فتاتين معاقتين ذهنياً راح ضحيتها العشرات من العراقيين الأبرياء. وفي باكستان تم تفجير طفل لف حوله حزام ناسف بعد أن ألقي به تحت حافلة رئيسة الوزراء الراحلة بنازير بوتو عند عودتها لباكستان، وفي الأردن تم تفجير أحد الفنادق بواسطة سيدتين عراقيتين راح ضحيتها العشرات من الأبرياء. لماذا استهدفت القاعدة فئة الأطفال والنساء؟ وما هو أثر ذلك على صورة الإسلام لدى الآخرين؟ وكيف تستطيع الحكومات حماية الأطفال من هذا الاستهداف؟ هذا ما سنتناوله في مقال آخر