أثار مشروع قانون للبرلمان بشأن تحديد سن الزواج ب«17» عاماً ردود أفعال متباينة ما بين مؤيد ومعارض. فالمؤيدون للقانون يرون أن زواج الشاب أو الشابة قبل سن السابعة عشرة مغامرة خطيرة غير مأمونة النتائج وخصوصاً لدى الفتاة التي لم يكتمل نموها الجسماني بعد؛ بالإضافة إلى كونها غير مؤهلة للحياة الزوجية سواء من حيث النشاط أو المهام المنزلية أو المعاشرة الجنسية وما يترتب عليها من حمل وولادة قد تقودها إلى الوفاة، مستندين في ذلك على قضايا عديدة لزواج صغيرات كلها باءت بالفشل وأفضت إلى مخلفات مأساوية. أما المعارضون فينظرون إلى مسألة تحديد الزواج بأنها مخالفة للشريعة الإسلامية؛ إذ لا يوجد تشريع ينص على ذلك، مشيرين إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام تزوج من عائشة رضي الله عنها وهي في التاسعة من عمرها، ويسوقون في ذلك نماذج أخرى في حياة الصحابة والتابعين، معتبرين تقنين الزواج خصوصاً فيما يتعلق بالفتاة بأنه يندرج ضمن الإملاءات الغربية على اليمن على حد تعبيرهم. وفي إطار هذا الجدل الدائر اليوم في الساحة أجد نفسي مضطراً للإدلاء بدلوي في هذا الموضوع والتعبير عن وجهة نظري الخاصة التي أتمنى أن لا يضيق بها أحد، مع احترامي لكافة وجهات النظر والآراء المغايرة تماماً لوجهة نظري. فبالنسبة لزواج الصغيرات فأنا وأعوذ بالله من كلمة أنا مع تحديد سن معين للفتاة وليكن «17» عاماً لزواجها؛ لأن في ذلك حماية وتحصيناً للكيانات الأسرية الناشئة، فالفتاة قبل هذا السن لا تمتلك أية خلفية عن الحياة الزوجية والتكوين الأسري، حيث تجد نفسها في جو غير متناسب مع المرحلة العمرية التي تعيشها وهو ما يقود إلى اندلاع الخلافات والدخول في صراعات تؤدي إلى الطلاق وهو ما يمثل صفعة قوية للفتاة والتي قد لا تحصل على فرصة الزواج مرة أخرى بخلاف الشاب الذي سرعان ما يتزوج بثانية وثالثة ورابعة. وأضيف إلى ذلك ضعف بنية فتيات اليوم وعدم قدرتهن على مواجهة متطلبات الحياة الزوجية بالشكل المطلوب، وهو ما يجعل من زواجهن في هذه المرحلة المبكرة أشبه بالانتحار البطيء. فهناك فتيات صغار السن يقعن ضحية جشع أولياء أمورهن الذين يقومون بتزويجهن بأزواج في سن متأخرة طمعاً في المال دونما اكتراث بالنتائج الكارثية الناجمة عن ذلك، وكأن البنات مجرد سلعة تباع وتشترى، وفي ذلك ضرر بالغ بالزوجات الصغيرات.. والدين الإسلامي نهى عن ذلك لقوله صلى الله عليه وآله وسلم «لا ضرر ولا ضرار». وأنا هنا ضد تشدد بعض العلماء والمرشدين فيما يتعلق بهذه القضية، وتصويرهم لها على أنها تشجع على انتشار الرذيلة وحرمان الشباب والشابات من الزواج كون المسألة لا تستحق كل هذا التهويل ما دام القانون السالف الذكر ينشد تحقيق المصلحة العامة ورفع الظلم والتعسف عن الصغيرات من بنات حواء اللاتي وجدن أنفسهن ضحية عقليات متحجّرة تنظر إلى القضايا من منظار ضيق يحجب عنها منطق العقل. أنا مع أن المسألة خاضعة في المقام الأول لضمائر الآباء وأولياء الأمور، ولابد أن يعي هؤلاء مخاطر الزواج المبكر للصغيرات، وعليهم أن يدركوا أن الزواج نعمة ومنفعة؛ ولكنه في هذه الحالة خطر غير مأمون النتائج. والقاعدة الفقهية تنص على "أن درء الضرر أولى من جلب المنفعة".