خطوة جدُّ طيبة تلك التي أقدمت عليها أو قامت بها وزارة التربية والتعليم ومكاتبها العامة في المحافظات والمتمثلة بإصدار التعميم والتوجيهات الأخرى بخصوص إلزام جميع المدارس في الجمهورية الاحتفاء بالمعلم وتكريمه، والتشديد على الإدارات التربوية بالمديريات على تفعيل ذلك وبصورة تتناسب مع مكانة المعلم ودوره الكبير في المجتمع، وبمايعكس مدى الاهتمام الجاد به من الجهات الرسمية والشعبية أيضاً. والمعلم - كما نعرف جميعاً - له «عيد» خاص به، تقام له في هذا اليوم الاحتفالات ونسمع من خلالها كثيراً من الكلام الجميل والقصائد الشعرية التي تحيط بشخصه ودوره ورسالته في تلك الاحتفالات ونصفق لها جميعاً لصدق ما يقال عن المعلم وخدماته التي يقدمها لأهله وناسه ووطنه ... إلخ. وجاءت هذه الخطوة المتمثلة في تعميم احتفاليات هذا العيد على كل المدارس مصحوبة بالتكريم الذي يليق به لتضاعف الاهتمام بالمعلم وليشعر هو - خاصة - بجلال قدره ومكانته أكثر مما نشعر به نحن تجاهه، وبالتالي يتجدد نشاطه وعطاؤه بعد فرحة كل عيد مع بداية كل عام دراسي جديد، فيزهو المعلم وتسمو به العملية التعليمية كلها سمواً يبعث في النفس آمالاً كبيرة.. فمثل هذه الخطوات تساعد على النهوض بالتعليم أداءً وتحصيلاً إلى مستوى الجودة المطلوبة خصوصاً في مدارسنا التي آل الوضع فيها وخاصة في المديريات والقرى والعزل إلى حالة يرثى لها ولاحول ولاقوة إلا بالله العظيم، فلتكن البداية الجادة بالاهتمام بالمعلم مؤشراً ايجابياً يقود إلى الإبداع والابداع يقود إلى النجاح ولو نسبياً في العمل التعليمي برمته في عموم ربوع الوطن. وهذا ما تطمح إليه الجهات الرسمية في اعتقادي من وراء التكريم للمعلم في صورته الشاملة والمتجاوزة لحدود الاحتفال التقليدي به في يوم عيده.. ولكن !! إن كان الأمر كذلك - وهذا محل فخر واعتزاز المجتمع والوطن أجمع - أليس من المنطق والضروري أن يكون التكريم المادي للمعلم موازياً للتكريم المعنوي الذي نشهده في فعاليات التكريم لمشاعر الإجلال والإكبار للمعلم التي تغمرنا جميعاً أكبر من أن يتم تكثيفها في بضعة سطور مرسومة على ورقة اسمها «شهادة تكريم» أو «تقدير» يتم تغليفها في مظروف وتعطى للمعلم المكرَّم أثناء الفعالية - إن على مستوى المدرسة، أو المركز التعليمي أو المحافظة، أو الوزارة.. إلخ. وما نراه واجباً بل حقاً من حقوقه على وزارته المعنية أو سلطته المحلية أو إدارة مدرسته أو مجلس آباء مجتمعه أو منظمات المجتمع المدني أو ... أو... إلخ.. مانراه حقاً له يجب أن يعطى له نهاية كل «ضجة» احتفالية لفتة كريمة تتلمس حالته المادية والمعيشية وتساعده ولو بأقل القليل على تحسين يومياته ومكابدة لقمة عيشه.. وبذلك فقط نكون قد كسرنا المعتاد التقليدي في تكريم المعلم معنوياً فقط و تجاوزناه إلى ما هو أقرب إلى حاجته، وهذا أقل ما يمكن تقديمه مادياً للمعلم في يوم عيده وتكريمه والاحتفال به وبدوره التنويري في المجتمع وبرسالته الكبرى التي يؤديها لأجيال الوطن في إطار مساهمته الفاعلة مع مختلف المخلصين في بناء اليمن حاضراً ومستقبلاً. ولذلك يصبح لزاماً على الجهات الرسمية المعنية إعادة النظر في تعاميمها الصادرة بالتكريم ودعمها بتخصيص جزء مادي يسير يتم اعتماده للمكرّمين وفق آلية ومعايير صارمة لا تسمح للمحسوبية والمجاملة أن تخترقها في اختيار المعلم المستحق التكريم معنوياً ومادياً.. كما أن على السلطات المحلية ومنظمات المجتمع المدني تعميق الإحساس لديها بالمعلم والعمل مع الجهات المعنية بتنسيق منظم على تحقيق التكريم المثالي الذي نصبو إليه للمعلم الشمعة التي تحترق كي تضيء للآخرين دروب الفكر والمعرفة والحياة بشكل عام. وعلى وزارة التربية والتعليم الاقتداء بوزارة الثقافة مثلاً في عملية التكريم خاصة أن المعلم أكثر إبداعاً في عطائه. أما أن يظل الاحتفاء بالمعلم بالصورة الحالية في المدارس وإن كانت خطوة التكريم فيها من الحيوية نوعاً ما لكنها سوف تصبح تقليدية ولاشيء فيها يبعث على المنافسة والحراك وسوف نجد أن فعاليات التكريم ستصبح فرض عين إن قام به البعض سقط عن الباقي، وبالتالي فإن الاحتفاء التكريمي للمعلم سوف يبقى محصوراً ومقتصراً على الشهادة الورقية والخطب الرنانة والقصائد الشعرية المقالة في الاحتفال وحتى مثل تلك الفعاليات ينقصها الترتيب والتنظيم والمفاضلة بحسب المعايير.. لكن إن وجد الجانب المادي رديفاً للمعنوي فسوف يتنافس الجميع وصولاً إلى خلق تعليم جاد ومقبول يستحق التقدير والتكريم.. فهل ننتظر مثل ذلك.؟