لم يعد الاجترار الاستهلاكي اليومي لموضوع الرعاية الشبابية إلا ضرباً من الانهزامية التي تفر بها قوى المجتمع المختلفة من واقع يفوق قدراتها، وأكبر من إرادتها، وخارج نطاق وعيها الذي مازال يفسر الاستغلال الحزبي، والتخريبي، وحتى الإرهابي للشباب بمنطق مادي واقتصادي لا يتعدى الجيوب. فمع تسليمنا جميعاً بأن ثمة تجاهلاً وفراغاً كبيراً يكابده شبابنا، إلا أننا في معظم الأحيان اتخذنا تلك الحقيقة «شماعة» لتعليق الأحداث الصاخبة عليها، وتبرئة أنفسنا ومسئوليتنا عنها، دون أن يجرؤ أحد على التقدم بأية مبادرة عملية تعتق الشباب من تلك الحلبات التي يزجون داخلها ، كما لو أن هناك من يرى في بقائهم داخلها انعتاقاً لرقبته، أو ضماناً لسلامة موقفه وأدائه.. أينما ذهبنا نسمع من يتحدث عن استغلال سلبي ولا أخلاقي للشباب ، تارة بزجهم في أنشطة سياسية لاناقة لهم فيها ولاجمل.. وتارة أخرى بتوريطهم بأعمال تخريبية لا يدركون أبعادها.. وتارة ثالثة للإفساد باسمهم، أو الظهور على حسابهم ، لكن هذا الإجماع على خطورة غياب الأوعية المخلصة التي تحتضن الشباب لم يقابله بحث جاد لمخارج المشكلة على نحو مختلف عمّا تشهده الساحة المدنية من ندوات وحلقات نقاشية تبدأ وتنتهي داخل صالة مغلقة في أحد الفنادق الفارهة. قبل بضعة أيام نظم مركز المعلومات وحقوق الإنسان بتعز حلقة نقاشية بهذا الاتجاه، واستعرضت مجموعة من الباحثات اليمنيات أوراق عمل نوعية وفي غاية الأهمية، كونها تطرقت إلى الجانب الأسري من المشكلة الشبابية، وهي المرة الأولى التي تلتفت فيها قوة مجتمعية إلى مشاكل الشباب العاطفية وتكسر الطوق السياسي الذي اعتدنا وضع الشباب داخله، وتجريده من إنسانيته.. فنحن لا نفتح ملفات الشباب إلا عندما نواجه تحديات سياسية كالماثلة اليوم ، وهذا هو من أكبر أخطاء تعاطينا مع مشاكل الشباب. ولابأس أن أختلف قليلاً مع ما ذهبت إليه إحدى الباحثات في قولها: « إن الشباب لا يحتاجون إلى قادة، وإنما هم بحاجة إلى الأصدقاء».. فالرأي هنا يكاد يكون مقلوباً، إذ إن المشكلة العصرية التي تثير قلق المجتمع اليوم هي تراجع الانضباط والالتزام لدى نسبة كبيرة من الشباب، وجنوح البعض منهم إلى الفوضى.. وذلك لم يأت على خلفية افتقارهم للأصدقاء، بل افتقارهم للنموذج القدوة الذي يتأثرون بسلوكه وقيمه وأفكاره وولائه الوطني.. حيث إن جيلنا جنى عليهم حين أقدم على انتهاك أخلاقيات المجتمع وأعرافه ولم يضع أية حدود لممارساته بما فيها تلك المرتبطة بالثوابت الوطنية، والعقائد الدينية.. إن شخصية الشباب تبدأ بالتبلور عندما يبدؤون بمحاكاة سلوكيات شخصيات أخرى مثل آبائهم وإخوانهم ومعلميهم وبعض رموز المجتمع الثقافية والاجتماعية والسياسية.. ومن هنا يأتي التأثير البيئي على صناعة الشخصية.. فقوة شخصية وفكر الرسول الكريم «صلى الله عليه وسلم» هما اللذان حافظا على تماسك الأمة عبر القرون، لأن أبناءها اتخذوه قائداً يقتدون بسننه.. وعليه فإن شبابنا يفتقرون للقادة.. أعتقد أن واحدة من الاشكاليات التي نواجهها هي عدم فهمنا لاحتياجات الشباب.. فهم ليسوا بحاجة فقط إلى ندوات ومحاضرات توعية، كما هو حاصل اليوم، بل بحاجة إلى حياة متكاملة فيها الحب والفن والرياضة والعلوم والترفيه، فعندما نمنحهم الفرصة لتسجيل ذكريات في كل مدينة يمنية، فذلك يجعلهم أكثر تمسكاً وحباً للوطن وحرصاً على حمايته.. وقد يغنيهم عن كثير من ندوات التوعية..