أعجب كثيراً لنفر من الناس ما أن يشتموا رائحة «أزمة» حتى يتبارزون في تحليلها من منطلقات البحث عن دور بعد أن أضحوا خارج المسئولية التاريخية والوطنية.. وأقف عند إحداثيات التصريحات المتعلقة بالوحدة عشية احتفاليتها، وأحدد تلك التصريحات التي ضاع أصحابها في البحث عن معالجات لها، فمنهم من يطرح الفيدرالية، وبعضهم يرى فى «الانفصال» أو «فك الارتباط» حلاً، ومنهم من يدعو إلى تقسيم اليمن إلى ثلاثة مخاليف أو عشرة حسب نوع القات!!. غير أن البعض من هؤلاء الذين سايروا موجة التصريحات «الانفصالية» باتت لديهم قناعة تامة بأن المخرج الوحيد للأزمة هو أن يرحل النظام ويحلوا «هم» بدلاً عنه، ولذلك نراهم يعكفون على تنظيم المؤتمرات الوطنية ويجتمعون حول الموائد لإعادة انتاج تخلفهم المزري عن مسايرة ركب الوحدة، حيث يشرعون في تدبيج الخطب الرنانة عن الأخطاء والسلبيات والتجاوزات التي أدت بالبلد إلى هذا المنحنى كما يتصورون ولا ينسون أن يذيلوا بياناتهم بأسمائهم، وبأنهم «المخرج» الوحيد والأوحد، والأنسب لتسلم زمام الأمور حتى يسير البلد في تمام التمام!!. وثمة كم كبير من التصريحات والتخريجات التي ما أنزل الله بها من سلطان.. بعضها لها طعم العسل المسموم، والبعض الآخر لا تستقيم مع المنطق والموضوعية لأنها تحاول إعادة وقائع ملوك الطوائف إلى اليمن الموحد!. كل الذين شخصوا «الأزمة» وتوصلوا إلى تلك المقترحات التي تصب في خانات «الانفصال» لم يستفيدوا من دروس التاريخ القريب والبعيد ولم يتعظوا بالنهايات المأسوية لكل الانفصاليين ومنهم «ملوك الطوائف». لقد علمنا التاريخ جيداً أن أية دعوة للتشطير أو للتقسيم مآلها الخسوف، فلقد حاول الاستعمار البريطاني منتصف القرن الماضي أن يعزل أبناء عدن والمحميات عن انتمائهم اليمني؛ فكان يطلق على تلك الجغرافيا «الجنوب العربي» وبرز خيرة أبناء الوطن وقت ذاك إلى الرد على هذا المنطق بدحر الاستعمار. وقال علي عنتر في محاضرة عام 1985م أعادت «الجمهورية» نشرها بالأمس: ان حضارتنا في الشمال والجنوب واحدة .. وحياتنا واحدة .. حالنا واحد، وشعبنا واحد .. وسنحقق الوحدة ، وسأعتبر يوم الوحدة يوم ميلادي. وكذلك فعل الوحدوي عبدالفتاح اسماعيل بمواقفه الوحدوية المشهودة تماماً، كما حذر المناضل والمفكر عبدالله باذيب من الانفصالية والانفصاليين في خمسينيات القرن الماضي. وأعجب أكثر لبعض قادة أحزاب «المشترك» وهم يحثون الخطى في بعض مناطق اليمن إلى إطلاق شعارات انفصالية تستهدف تقويض التجربة وبث الفرقة بين أبناء الشعب الواحد.. يصطفون في مسرحية هزلية مع بعض الممثلين الفاشلين في الحياة السياسية. فأين هؤلاء من رموزنا الوطنية الوحدوية «كعنتر» «وفتاح» «وباذيب» و«الجاوي» الذين لو كانوا أحياء اليوم لرجموا «البيض» و«العطاس» «والخنبقي» «وباعوم» وكل دعاة التشطير من قيادات «المشترك» بالحجارة، وألقوا بهم في لجة لا قرار لها. لقد دخل التاريخ كل اليمنيين الذين انتصروا لمشاريع الوحدة، وانهزم الأقزام دعاة التشرذم والفرقة والانسلاخ عن الأمة بتاريخها وتراثها وجغرافيتها وثقافتها الواحدة. التاريخ يذكر سبأ بن يشجب أول موحد لليمن قبل الميلاد بنحو 5000 سنة، حيث انطلق اليمانيون إلى المعمورة ينشرون العلم والحضارة، ويذكر التاريخ الحميريين التبابعة الذين أسقطوا حكم «ملوك الطوائف» وأعادوا توحيد اليمن عام 290م. ولا ينسى التاريخ «ذو نواس» وكذلك الملك كرب اللذين كان لهما صولات وجولات في توحيد اليمن الطبيعية، كما أن التاريخ يذكر الرئيس علي عبدالله صالح موحد اليمن في العصر الحديث بأحرف من ذهب. أما أسماء ملوك الطوائف وأصحاب الدويلات الانفصالية والمشيخات والسلطنات ورموز الانفصال في الماضي والحاضر؛ فقد لعنهم الشعب وتوارت قصصهم في مزابل التاريخ.