أفرزت حالة قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م وضعاً جديداً لايقتصر فقط على مسألة لمِّ شمل الأسرة اليمنية الواحدة، وإنما ارتبط أيضاً بإسقاط المخططات التي رسمتها أجندات استعمارية كانت تراهن على إبقاء اليمن مجزَّءً ومشطراً حتى يتم تمرير مضامين تلك الأجندات.. وفي طليعتها إبقاء حالة «التشطير» كعامل يهدد أمن واستقرار المنطقة، ولذلك لم يكن مستغرباً أن تشهد الفترة الزمنية التي أعقبت إعادة تحقيق الوطن مناخاً ملائماً في قدرة اليمن على ترتيب أوراقه مع الأشقاء، وأضحت الوحدة عامل أمن واستقرار لدول المنطقة بعد أن كانت تمثل نزيفاً حاداً خلال مراحل التشطير .. بل إن القيادة السياسية في ظل دولة الوحدة استطاعت وضع حلول للمشاكل الحدودية مع الأشقاء في عمان والسعودية بالحوار وعلى قاعدة لاضرر ولاضرار. .. ورغم أن ثمة أيادي داخلية مريضة ومفلسة متورطة في مسلسل التداعيات الأخيرة في بعض المناطق اليمنية إلا أن المجاهرة بإعادة طرح مشروعات تفكيك الوحدة تحت دعاوى عديدة - ومنها الحديث عن «الجنوب العربي» وإقامة كيانات انفصالية طائفية وشعوبية وإحياء النزعات المناطقية والقروية والسلالية - يعكس حالة القلق في الدوائر الاستعمارية من اليمن الواحد الذي استطاع رغم التحديات الاقتصادية صياغة برنامجه الوطني التنموي على قاعدة الشراكة البناءة وانتهاج الديمقراطية والتعددية الحزبية والصحفية كخيار حضاري لاتراجع عنه. .. وخلال العقدين الأخيرين تعززت علاقات الشراكة اليمنية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وباتت الصورة أكثر وضوحاً في تبني الأشقاء فكرة انضمام اليمن إلى مجلس التعاون من منطلقات موضوعية وواقعية لها ارتباط بالمصالح المشتركة فضلاً عن الجغرافيا والتاريخ. .. لقد تسارعت جهود القيادات السياسية في اليمن ودول الخليج لتحقيق هذه الغاية التي تبدو أكثر إلحاحاً اليوم في إطار المساهمة الجادة لمساندة اليمن في التغلب على التحديات الاقتصادية الراهنة، وتجنيبه مخاطر رهانات بعض القوى الإقليمية والاستعمارية لتفتيت وحدته ولحمته الوطنية حتى تحقق هذه القوى مخططها الرامي إلى عزل اليمن عن محيطه الجغرافي العربي وتحويله إلى حالة غير مستقرة لتلقي بظلالها السلبية على الاستقرار في المنطقة برمتها. .. إن هذه القراءة تبرز من خلال الدلائل والمعلومات المؤكدة التي تشير إلى تورط قوى إقليمية ترعى هذه المشروعات الانفصالية وتتبنى دعم أصحاب النفوس الضعيفة ممن باعوا أنفسهم للشيطان مقابل ثمن بخس لترديد لغة تحاول إذكاء النعرات وتفكيك عرى الوحدة الوطنية لأبناء شعب كان ولايزال واحداً في تكوينه وفي جذوره وفي انتمائه وطموحه. .. إن اليمن اليوم بحاجة أكثر إلى مواقف داعمة لخطه الوحدوي وبرنامجه الإنمائي وترسيخ روح الانتماء لأمته العربية التي تتعرض لهجمة شرسة تهدد أمنها الإقليمي واستقرارها ونموها ومشروعها الحضاري. .. نقول هذا دون انتقاص لكافة المواقف من الأشقاء والأصدقاء الذين أعلنوا دعمهم للوحدة ومساندة اليمن لاستكمال تنفيذ برنامجه الإنمائى خاصة أن بلادنا قد تحملت الكثير من المعاناة الاقتصادية جراء وقوفها الحاسم تجاه الإرهاب وإفشال مخططاته التي لاتقتصر أضراره على اليمن فحسب، بل تشمل كافة دول المنطقة.