كانت المناظرات الإعلامية التي شهدتها الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسية الإيرانية مؤشراً على أن إيران تخوض سجالاً انتخابياً غير عادي وغير مسبوق، على الرغم من إدراك جميع المتنافسين والمتابعين أن خيوط اللعبة السياسية بيد الحاكم الفعلي للنظام الإيراني (المرشد الأعلى للثورة الإيرانية «الولي الفقيه») آية الله خامنئي، وأن الحرس الثوري بكل مكوناته العسكرية والأمنية والاقتصادية هو اللاعب العسكري والأمني والاقتصادي في إيران. الأربعة المرشحون (نجاد - موسوي - كروبي - رضائي) لاتختلف برامجهم في الموقف من البرنامج النووي الإيراني أو الموقف من ملف الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة من قبل إيران منذ السبعينيات أو تطلع إيران للعب دور إقليمي أكبر في المنطقة وطبيعة العلاقات الإيرانية مع الغرب. فهم يختلفون في الوسائل والأسأليب للتعامل مع تلك الملفات.. أحمدي نجد يعتمد اللغة الاستفزازية الشديدة الحدة، ليكسب مزيداً من المؤيدين في الداخل الإيراني الرافض للتدخل الغربي والهيمنة الغربية، وموسوي يعتمد اللغة السهلة السلسة التصالحية مع الجيران والغرب دون أي تنازل في المواقف الأساسية وبنفس أسلوب الرئيس السابق محمد خاتمي. الاقتصاد والإدارة والانفتاح نقاط الاختلاف الظاهرة وهي قراءة مختلفة لواقع اجتماعي متباين بين تيار ديني محافظ وتيار (محافظ انفتاحي) يتطلع للتغيير والتحديث مع المحافظة على طبيعة النظام السياسي وإحداث اختراقات في النظام الديني المهيمن على الحياة السياسية والعسكرية. ما يثير علامات الاستفهام والتعجب والشكوك أن مير حسين موسوي وهاشمي رفسنجاني (الصامت حالياً) هما صديقان للمرشد الأعلى والأول تولى رئاسة الوزراء في الثمانينيات حتى 1989والثاني قاد الرئاسة الإيرانية لدورتين انتخابيتين انتهت في 1997م ويحظى موسوي بدعم من الرئيس السابق محمد خاتمي، والجميع خلال فترات توليهم السلطة لم يحيدوا عن مواقف أصحاب العمائم، زد على ذلك أن مير حسين موسوي تربطه علاقة قرابة بالمرشد الأعلى للثورة (خامنئي هو ابن خالة والدة موسوي) والرجلان ينحدران من محافظة أذربيجان الغربية، كما أن مواقف موسوي في التسعينيات كانت معارضة لسياسة هاشمي رفسنجاني في ما يتعلق بالانفتاح نسبياً على الغرب ورؤيته الاقتصاية وعمل موسوي مستشاراً لأحمدي نجاد خلال السنة الرئاسية الأولى في الدورة السابقة. حجم التناقضات في المشهد الإيراني لا يعطي القارئ القدرة على تحليل واستنتاج ما يمكن أن تنتهي إليه الأحداث إلا أن الشيء الذي يتفق عليه الجميع أن النظام السياسي الإيراني بدأ يتآكل من الداخل وأن شهر العسل الذي نعمت به إيران من بعد الثورة انتهى وأن موقف المرشد الأعلى للثورة بدعم أحد المرشحين وتأكيده على نزاهة الانتخابات ساهم بإسقاط حاجز ظل لسنوات لايمكن الاقتراب منه لأنه يرتبط بالعقيدة ومكانة ولاية الفقيه في الوعي الديني الإيراني. تكوين النظام السياسي الإيراني قريب إلى الأنظمة الديكتاتورية لكنها أخذت طابعاً دينياً مع إعطاء مجال للتنافس الديمقراطي في المؤسسات الخدمية المرتبطة بإدارة الاقتصاد والشئون المحلية وها هي اليوم أمام خيارات مرة إما إنهاء الديكتاتورية الدينية وإما إلغاء الهامش الديمقراطي في انتخابات الرئاسية الإيرانية ومجلس الشورى. المواقف الأوروبية جاءت منسجمة مع طبيعة العلاقة بين أوروبا وإيران، فالدول الأوروبية لم تخفِ انزعاجها من أحمدي نجاد لكنها لم تؤيد صراحة موسوي، وبعد المظاهرات وجدتها فرصة للتدخل من الباب الإنساني فأعلنت عن موقفها الرافض لقمع التظاهرات السلمية التي شهدتها إيران، والموقف الأمريكي جاء منسجماً مع السياسة التي ينتهجها الرئيس الأمريكي في علاقته مع إيران منذ خطابه الشهير الموجه لإيران فلم تعلن أمريكا تأييدها لمرشح ضد آخر كما كانت تفعل سابقاً خشية من ردود فعل عكسية ضد المرشح الذي تدعمه كما أن ساحة الحرب الرئيسة التي أعلن عنها أوباما (أفغانستان) لمواجهة الإرهاب وتنظيم القاعدة تتطلب علاقة طبيعية مع الرئيس الإيراني الجديد، فإيران تمتلك حدوداً طويلة مع أفغانستان تصل إلى 860كيلو متراً مما يجعل منها معبراً أنموذجياً لتوفير احتياجات القوات الأمريكية في ظل عدم الاستقرار بالمعبر الباكستاني. الموقف العربي من الأحداث في الجار الإسلامي الكبير خارج التغطية بكل معاني الكلمة.