لطالما كنتُ مقتنعاً بعدم جدوى المقارنة بين الحالة اليمنية وغيرها من الحالات العربية أو غيرها، ولكن في السياق التالي أود الاستشهاد وليس المقارنة.. حكومة أبوظبي قررت مؤخراً إنشاء «نيابة ودوائر قضائية متخصصة في قضايا الإعلام» ولم نسمع أحداً في الإمارات العربية المتحدة عامة أو في العاصمة أبوظبي خاصة يتذمر من القرار أو يطعن في مشروعيته القانونية؛ بل إن جمعية الصحافيين في دولة الإمارات أشادت بالقرار، واعتبرته «خطوة متقدمة» نحو تمكين الصحافة. بالنسبة لنا في الجمهورية اليمنية؛ لدينا نيابة متخصصة بقضايا الإعلام والصحافة «نيابة الصحافة والمطبوعات» وقبل أسابيع عدة اتخذ مجلس القضاء الأعلى بناءً على مقترح تقدم به وزير العدل قراراً بإنشاء محكمة متخصصة بقضايا النشر الصحفي. قامت الدنيا ولم تقعد حتى اليوم، وتعالت الأصوات مستنكرة ومحذرة، ولم تقف حملة الرفض والتهويل من شأن خطوة نوعية كهذه عند حد؛ بل رأينا من يطالب بالطعن لدى المحكمة العليا، وقرأنا في أكثر من جريدة نعياً للحريات الصحافية والإعلامية في اليمن؟!!. هل استحق الأمر ولايزال كل هذا القدر من التهويلات والمبالغات، أم أن الرفض بحد ذاته بات تخصصاً لصيقاً بمعشر الصحافيين وقبيلة الصحافة؟!. أظنُّ أن القضية زائدة تماماً عن الحاجة؛ لأن تخصيص محكمة وقاضٍ يتفرغ فقط لقضايا الصحافة والنشر سوف يخدم الجانبين الصحافة والقضاء ويسرِّع في القضايا، عوضاً عن التطويل والتمديد والترحيل في المحاكم الابتدائية كما كان سائداً. نقطة الخلاف المركزية هي أن جزءاً من الوسط الصحفي والإعلامي اعتبر أن المحكمة استثنائية؛ وبالتالي فهي مخالفة للقانون، بينما مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل أكدا مراراً وتضمن هذا قرار الإنشاء على أن المحكمة «متخصصة» وبموجب قانون السلطة القضائية الذي يسمح بإنشاء «المحاكم المتخصصة» ومنها محكمة الأموال العامة وغيرها. في لقاء لاحق ضم وزير العدل وقيادة نقابة الصحافيين اليمنيين تم التطرق إلى هذه القضية حصراً، وقدم الدكتور شايف الأغبري كافة الضمانات والتطمينات، مشدداً على أن المحكمة المتخصصة سوف تساعد الصحافة والصحافيين على توفير الوقت والجهد والحسم السريع للقضايا، فهل سويَّ الأمر؟!. قرار الدائرة القضائية في أبوظبي مر بهدوء؛ ليس لأن الصحافة هناك لم تهتم، بل لأنها أكثر اهتماماً بالنواحي المدنية والقانونية، وربما الفارق الوحيد في حالتنا أن الصحافة الحزبية والأهلية لدينا مغرمة بالرفض وافتراض سوء النية، وليس لديهم هناك ما لدينا هنا!!.