لئن كنت قد تحدثت في العدد الماضي عن واجب الولاء الوطني، وأكدت دور الأحزاب والتنظيمات السياسية في الحراك التوعوي التنويري الذي ينبغي أن تقوم به في أوساط الناس، فإنني هنا أرى أن من أعظم الواجبات الوطنية والدينية التي تقع على الأحزاب والتنظيمات السياسية تقديم واجب الولاء الوطني المقدس على واجب الولاء الحزبي. باعتبار الولاء الوطني هو الأعظم والأقدس في الفكر السياسي، وأن الولاء الحزبي هو الاستثناء، بل ينبغي أن ينطلق الولاء الحزبي من مفهوم الولاء الوطني، لكي لا تنشأ الأجيال متضاربة ومتناحرة بسبب تعدد الولاءات. وهنا يظهر الدور الوطني العملي للأحزاب والتنظيمات السياسية على الساحة الوطنية، ويمكن التعرف على مدى مصداقية الحزب أو التنظيم السياسي من خلال قدرته على تعميق مبدأ الولاء الوطني في أذهان النشء وتقديمه على الولاء للحزب انطلاقاً من الإيمان بأن الحزبية وسيلة وليست غاية. إن تجربة الأحزاب والتنظيمات السياسية في العالم أظهرت الحقيقة الموضوعية، وهي تقديم الولاء الوطني على أية ولاءات أخرى. بل إن الفكر السياسي القديم والمعاصر أكد أن التعددية السياسية ظاهرة حميدة؛ لأن من مميزاتها القدرة على صهر الولاءات القبلية والمذهبية والأسرية في الولاء الوطني. وذلك من خلال الدور التنويري الذي تقوم به هذه الأحزاب وقدرتها على الوصول إلى كل شبر من تراب الوطن؛ باعتبار أن الأحزاب نافذة الحكومات إلى المناطق النائية، ومن أقدس واجباتها غرس مفهوم الولاء الوطني في أذهان الناس. وهنا أضع سؤالاً جديداً بين أيدي الباحثين وطلاب العلم لتقديم الدراسات العلمية في الإجابة عنه، وهو: هل الأحزاب والتنظيمات السياسية في الساحة اليمنية تعمل على غرس مفهوم الولاء الوطني، وتعتبر ذلك من أقدس الواجبات التي تنفذها في حملاتها الانتخابية والتوعوية؟!. إن التساؤل السابق يحتم على الباحث أو الدارس في الإجابة عنه أن يعود أولاً إلى برامج الأحزاب والتنظيمات السياسية ونظامها السياسي وبرامج عملها السياسي وكل الأدبيات. ثم يقوم بالمقارنة العملية على أرض الواقع للتعرف على مدى تطبيق ما استخلصه في جانب مبدأ الولاء الوطني من تلك الأدبيات على أرض الواقع والخروج بالنتائج التي تحكم سلباً أو إيجاباً. وهو ما نأمله من المهتمين بهذا الشأن في الجامعات ومراكز الدراسات والبحوث، بدلاً من تقديم أوراق عمل للندوات الإنشائية.