لقدد عرفت خلال تواجدي خارج الوطن الأسبوع الماضي إلى أية درجة كم نحن قساة على وطننا الحبيب، فقد لامست عن قرب ماذا يعني الوطن، وما هي الواجبات الضرورية التي علينا تجاهه وخصوصاً في وقت الشدائد والمحن وعند مدلهمات الأحداث. في الأردنوسوريا التقيت العديد من المواطنين الذين يمثلون مختلف الشرائح الاجتماعية والتوجهات السياسية والحزبية، وأدهشني فعلاً روح الوطنية الحقة والصادقة التي يتمتعون بها، فالوطن عندهم من المقدسات التي لا يجوز التفريط بها أو مسّها بأذى. يحرصون على أمنه واستقراره، وينشدون له الرفعة والعزة والتطور في مختلف مناحي الحياة، ويرفعون الأعلام والشعارات التي تبث في النفوس حب الوطن وتعمّق روح الانتماء إليه. في الأردن استوقفني شعار حملة وطنية أطلقت قبل عدة سنوات وهو «الأردن أولاً» حيث تم تعميم هذا الشعار على كافة الدوائر والمؤسسات والمصالح الحكومية والأهلية، وصار هذا الشعار بمثابة النشيد الوطني. وعليه فقد شرع كل أبناء الأردن في ترجمته على أرض الواقع؛ كل شخص من موقعه، وقد أثمرت هذه الحملة نتائج متميزة وملموسة، وقس على ذلك الأشقاء في سوريا، فالوطن أغلى من كل شيء، وما دون مصلحته وأمنه واستقراره يهون رغم اختلاف الرؤى والتوجهات السياسية. ولعل مثل هذه المواقف الوطنية هي ما دفعتني إلى مقارنتها بما هو عليه الحال في بلادنا ويمننا الحبيب بلد الإيمان والحكمة، هذا الوطن المعطاء الذي منحنا كل صنوف العطاء والجود، وكان ولايزال الملاذ الآمن لنا جميعاً، ومع ذلك نجد البعض منا يسيء إليه ويتنكر لكل عطاياه إلى الحد الذي وصل بالبعض إلى التآمر عليه، وإلحاق الضرر به وتعكير صفو أمنه واستقراره وحياكة المؤامرات على وحدته الوطنية. ومن المؤسف أن تنساق قوى المعارضة السياسية مع العناصر الإجرامية والقوى الظلامية التي ترفع شعارات الانفصال، وتعتدي على الأرواح والممتلكات في عدد من مديريات بعض المحافظات الجنوبية، وتلك العناصر الدموية التي تمارس جرائمها الوحشية في صعدة وحرف سفيان. وأنا هنا أستغرب من المواقف السلبية واللا وطنية التي تبديها قوى المعارضة اليمنية التي تحوّل قادتها إلى أبواق إعلامية تسوّغ للرأي العام كل جرائم القوى الحوثية والانفصالية، وتدافع عنها، وتبرر لها ما تقوم به من أعمال تغضب الله ورسوله في سياق مكايداتها الحزبية والسياسية والتي لا تفرق بين مصلحة الوطن العليا والمصالح السياسية والحزبية والشخصية. من الغباء والتبلد أن يجعل السياسي أو المثقف المعارض من نفسه مجرد ألعوبة يسيّرها الآخرون لمجرد الانتماء السياسي أو الحزبي؛ دون أن يكون له أي رأي أو مواقف مناهضة لذلك، وخصوصاً عندما تكون الرؤى الحزبية مخالفة وغير سوية وخطيرة على الوطن. لا أعتقد أن المعارضة ستحصد أية نتائج إيجابية أو تحقق أية مكاسب سياسية من وراء مواقفها المشبوهة حيال أحداث بعض المناطق وحرب صعدة، بل على العكس فإنها ستكون الخاسر الأكبر منها؛ لأن الوطن اليوم يواجه هذه القوى الارتدادية وهو ما يكلفه الكثير من الأثمان الباهظة. وصار كل أبناء اليمن الشرفاء في خندق المواجهة للفتك بهؤلاء الأعداء والخونة والمرتزقة؛ وهم ماضون في تطهير الوطن من أدرانهم مهما بلغت التضحيات. ومن الطبيعي أن يصنفوا كل القوى المؤيدة للحوثيين والانفصاليين على أنهم أعداء الوطن، ومن الصعب بل من المستحيل أن يأتي اليوم الذي يثق أبناء الشعب فيهم؛ لأنهم أدركوا أن هذه القوى المعارضة لا همّ لها سوى اللهث وراء مصالحها، والسعي نحو تحقيقها حتى وإن استدعى ذلك تحالفهم مع الشيطان وزبانيته. ونتمنى هنا أن تعود هذه القوى إلى رشدها ووطنيتها، وتجعل من نفسها الوجه الآخر للحكم، وتتحالف مع الوطن، وتجعل من المساس بوحدته وأمنه واستقراره خطاً أحمر لا يسمح بتجاوزه، وتعطي لنفسها حق المنافسة الديمقراطية المكفولة سياسياً إذا ما كانت جادة في توجهها الديمقراطي. كون ذلك هو جوهر العملية الديمقراطية التي تنصّ على أن صاحب الأغلبية يحكم، والخاسر يعارض، فوظيفة المعارضة هنا هي مراقبة الحاكم وتقييم أعماله سلباً أو إيجاباً، والعمل على تقويمها وإبداء الحلول المقترحة لمعالجتها بواسطة الطرق والوسائل القانونية التي كفلها الدستور والنظام والقانون. وليست المعارضة مجرد تصيد الأخطاء وافتعال الأزمات وتهويل القضايا والترويج للأكاذيب والافتراءات كما تظن المعارضة في بلادنا وكما هو عليه فهمها لمفهوم المعارضة. لابد أن يعي قادة المعارضة اليمنية خطورة ما يقومون به، وعليهم الاهتمام بما يخدم الوطن والمواطنين على حد سواء، أتمنى أن تركز المعارضة على مسألة تعميق روح الانتماء الوطني في أوساطها ومحاربة الفساد. وتقديم الرؤى والمقترحات الكفيلة بمعالجة المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها الوطن ومعها مختلف المشاكل، كون ذلك هو الدور المنوط بها بعيداً عن المكايدات الحزبية والسياسية. وأنا هنا لا أنكر وجود أوجه فساد واختلالات ومشاكل وأزمات تعصف بالبلاد، وهي مشاكل تكاد أن تكون حاضرة في أغلب دول العالم؛ حتى تلك التي تدّعي التطور والتقدم والريادة، لكن الواجب علينا أن نعمل على تدارس الحلول والمعالجات لها من منطلق الحرص على المصلحة العليا للوطن. علينا جميعاً أن نطلق حملة وطنية تحمل شعار «اليمن أولاً» حيث نجعله منطلقاً لبرامجنا السياسية ومهامنا الوطنية، كل من موقعه وحزبه. ولا بأس أن نستفيد من تجارب الآخرين لضمان تحقيق النتائج المتميزة المنشودة من هذه الحملة الوطنية التي نحن في أشد الحاجة إليها اليوم على اعتبار أن الوطن ينشد منا الاصطفاف لمواجهة المؤامرات التي تحاك ضده. لأن حركة التمرد الحوثية في صعدة، وعناصر الهدم والتخريب في بعض المناطق لا تهدد حزباً أو أشخاصاً كما يتخيل البعض، وإنما تهدد الوطن من أقصاه إلى أقصاه، ومن الإجرام في حق وطننا أن نغض الطرف عن الأخطار التي يواجهها ونقوم بتأييدها وتأجيجها؛ لأننا سندفع ثمن ذلك باهظاً. الله.. الله في اليمن، امنحوه حبكم وولاءكم، اجعلوا مصالحه العليا فوق مصالحكم الشخصية والحزبية الضيقة، كونوا له العيون الساهرة من أجل الحفاظ على وحدته وأمنه واستقراره. تطاول بعض الكتبة المأزومين على شخص محافظ ذمار اللواء يحيى العمري مردود على أصحابه، ولهؤلاء أقول: قد تختلف وجهات النظر والقناعات والرؤى، وهذا شيء بدهي؛ لكن أن نسوق الأكاذيب، ونتعمد تشويه صورة هذه القامة الوطنية المشهود لها بالوطنية والإخلاص ونظافة اليد واللسان من أجل الإثارة على قاعدة «خالف تعرف» فذلك حمق وغباء. ولانزال نتطلع أن يحقق المحافظ العمري ما يلبي طموحاتنا وتطلعاتنا وخصوصاً أنه يمتلك كافة المؤهلات التي تمكنه من ذلك. وله نقول: نحن عونك في المهام المنوطة بك، امضِ بعزيمة، امضِ بإرادة لا تلين، لا تأبه بما يسطره المرتزقة، واحرص على اختيار بطانتك ومستشاريك، واستمع إلى نصائح ومقترحات العناصر الوطنية التي تهدف إلى مساعدتك، وكن على ثقة في الأخير.. إن القافلة تسير و..... [email protected]