رأينا المعارك التي شهدتها الساحتان المصرية والجزائرية بسبب المباراة التي جرت في العاصمة المصرية القاهرة السبت الماضي بين منتخبي مصر والجزائر، وكيف حولت مباراة في كرة القدم العلاقة بين شعبين عربيين كبيرين إلى أزمة عميقة طالت كل شيء. ويبدو أن هذه المعارك لن تنتهي حتى بانتهاء مباراة اليوم الأربعاء الفاصلة في الخرطوم بين المنتخبين، إذ إن الشحن الإعلامي الذي تواصل على مدار الأسابيع القليلة الماضية في الساحتين الجزائرية والمصرية، سيتواصل بالقدر نفسه بعد المباراة، وقد يجد البلدان نفسيهما في أزمة سياسية بسبب مباراة رياضية. لا شك أن كل منتخب يحلم بأن يكون متواجداً في العرس الكروي العالمي الذي ستشهده جنوب أفريقيا في شهر يونيو المقبل، وهذا حق مشروع لكل دولة، لكن لا يجب أن يتحول هذا الحلم إلى مشكلة تؤرق شعبي البلدين. فالتسخين الإعلامي، والرياضي بدرجة رئيسة، دفع بجمهوري البلدين إلى اتخاذ مواقف عدائية كل تجاه الآخر، وعوضاً أن تتحول الرياضة إلى عامل من عوامل التقارب بينهما، تحولت إلى عامل من عوامل التفرقة والتجزئة بين شعبين جارين متحاربين. ولولا أن البلدين تربطهما روابط كثيرة، أهمها الدم الذي سال في ثورة الجزائر أثناء حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي والدم الجزائري الذي سال على أرض مصر في حربها ضد الكيان الإسرائيلي العام 1973م، ولولا الروابط الدينية واللغة، لقلنا إن حرباً وشيكة ستقع بين البلدين. ذلك أن المتعصبين في كلا البلدين حولوا الساحة الرياضية إلى ساحة للصراع والشتائم، وكأنهم يخوضون أم المعارك، لكن ليس على الطريقة العسكرية، بل على الطريقة الرياضية. فقبل المباراة التي شهدتها القاهرة أفردت الصحف المصرية والجزائرية معظم صفحاتها للمباراة، وكذلك فعلت القنوات الفضائية التي تبارى مقدموها على صب مزيد من الزيت على النار المشتعلة أصلاً. وعندما أقيمت المباراة يوم السبت شعرنا أن الأمر قابل للانفجار في أية لحظة، ولو كانت خرجت مصر من الحسابات، لكنا رأينا منظراً آخر غير الذي رأيناه في شوارع القاهرة عقب انتهاء المباراة. وقد انتقلت العدوى من المدن المصرية والجزائرية إلى العاصمة السودانية الخرطوم، التي اختيرت لتكون مكاناً للمباراة الفاصلة بين المنتخبين، حيث رأينا جمهور البلدين يتوافدان إلى الخرطوم بكثافة، بل إن الخرطوم نفسها انقسمت بين مؤيد للمنتخب المصري وآخر مؤيد للمنتخب الجزائري، والخوف أن تقع أم معارك أخرى في الخرطوم فنجد أنفسنا أمام نتائج مخيبة للكرة العربية. السؤال هو لماذا هذه المعارك، وما الذي يمكن أن يفعله أي من المنتخبين لو كسب المباراة وصعد إلى المونديال؟ فالتأريخ كله يؤكد أن مشاركة العرب في مثل هذا العرس الكروي لا يعدو عن كونها مشاركة رمزية لا أقل ولا أكثر، وقد رأينا ماذا قدمت المنتخبات العربية التي صعدت خلال دورات كأس العالم السابقة، وكيف كانت شباكها تمطر بالأهداف من المنتخبات الأخرى وصل بعضها إلى الثمانية والعشرة!!