أطلق ماكس وهو يؤسس لمذهبه الشيوعي مقولة «الدين أفيون الشعوب» كون الدين يعلق جزاءات وعقوبات على الآخرة وافتتن البعض بهذه المقولة وهم كُثر وكان ما كان من قيام الثورة البلشفية عام 1917م وقيام دولة الشيوعية في روسيا ثم المنظومة الشيوعية أو الاشتراكية. واليوم اكتشفت الأنظمة السياسية أفيوناً آخر تمثل في الكرة التي أصبحت الشغل الشاغل لشريحة الشباب الذين هم أداة التغيير في كل بلد.. وإذا كان هذا الأفيون يستعمل في كل بلدان العالم فإنه يتغول في البلد الضعيفة ويتحول إلى دين به يعرف البراء أو الولاء ويصحب ذلك عنف يصل إلى حد سفك الدماء وسنسمع قريباً أن فلاناً قضى شهيداً في سبيل فريقه الذي يشجعه وأن المرحوم قضى عمره في تشجيع الفريق الفلاني. في عام 1969م من القرن الماضي قامت مباراة كرة بين السلفادور والهندوراس واختلف البلدان حول نتيجة المباراة فتحركت جيوش البلدين في حرب طاحنة بالطائرات والدبابات. وفي الثمانينيات اشتبك مشجعو الفريق الإنجليزي في فرنسا مع مشجعي الفريق المنافس بالأسلحة البيضاء وكان الحصيلة 22قتيلاً، ولكن تم احتواء المسألة ومُنع المشجعون الإنجليز من دخول الملاعب لفترة.. أما ما حدث بين مصر والجزائر فقد تجاوز كل الحدود الدينية والأخلاقية التي تجرد منها المشجعون والمسئولون في كلا البلدين، ووصل الأمر إلى الاعتداء على رعايا كل بلد في البلد الآخر، ودُمرت ممتلكات في الجزائر لمصريين وتم استدعاء السفراء وحمل كل طرف الآخر ما يحدث لرعاياه، ومع كل الشحن الإعلامي المستمر قام كل طرف بعمل جسر جوي للمشجعين من الطرفين استعداداً للمعركة الفاصلة في السودان بين الفريقين، ويشارك النظامان بقوة في هذه المعركة بتقديم الدعم اللوجستي «التسهيلي» وهذه الحال لم تعرفها الحرية الديمقراطية في التعبير عن الرأي في قضايا أخرى غير الكرة فقد تغاضت الحكومتان عن كل أنواع المظاهرات والرشق بالحجارة والتدمير للممتلكات لتدلل على أنها أنظمة ديمقراطية تسمح بحرية الرأي والتعبير.. إذن ماذا يمكن أن نسمي هذه الفوضى التي يحدثها المشجعون للكرة غير أنها «أفيون» يراد به إلهاء الشعوب عن قضاياها الحقيقية وهذا يذكر بمبارزات الشعراء «الأخطل والفرزدق وجرير» عندما كان الولاة يرسلون الرسل بقصائد كل شاعر ليرد عليه الآخر ولم يكن للناس من شاغل سوى ماذا قال جرير وماذا قال الفرزدق..!؟ إن ديننا الحنيف يأبى هذا السلوك المشين وحتى المروءة والأخلاق، فترويع المسلم جريمة حتى ولو كانت مزاحاً فقد أشار رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديدة إلى أخيه فقال له الرسول: لماذا فعلت ذلك؟ قال: كنت أمزح فقال عليه السلام :فكيف بروعة المسلم أي إخافته، ثم قال عليه السلام: من نظر إلى أخيه نظرة يخيفه بها أخافه الله يوم القيامة، فأي وعيد هذا ينتظر هذا المزاح، ما حدث بين قطرين شقيقين مسلمين جريمة يجب سرعة احتوائها، ويجب أن لا تتحول الكرة إلى دين وإلى أفيون جديد ينسياننا حقيقة مهمتنا في الحياة ودورنا الذي خلقنا لأجله.