تأبين أو رثاء الصحافة الورقية بشكل مبكر على اعتبار أنها ماتت أو تكاد في ظل اكتساح الشبكة العنكبوتية وميديا النت، وانصراف الأعداد المتزايدة من الجمهور نحو الاستفادة من تقنيات وامتيازات الإعلام الإلكتروني، يبدو مبالغاً ويجنح إلى التهويل واستباق الوقائع على الأرض. برغم كل شيء.. وبرغم جميع الطفرات والثورات المتلاحقة في عالم الميديا المؤتمتة إلا أن الحاجة للصحافة التقليدية الورقية سوف تلازم المجتمعات البشرية لوقت طويل.. ويصعب التكهن بمقدار هذا الطول والامتداد في الزمان المتعاقب. ليس تقليلاً أو تنقيصاً من قيمة وأهمية التقنيات المتطورة والوسائل الإعلامية المتقدمة وليس استخفافاً بسننية التقدم والتطور وظهور أجيال جديدة ومتلاحقة من التقنيات والوسائل العصرية المقترنة بفاعلية أكبر وأكفأ وأسرع في توفير وتقديم الخدمة الإعلامية والإعلانية. ولكن تقديراً لحقيقة العلاقة والوفاء المتبادل بين الإنسان والوسائل التي أبدعها ورافقته طوال عقود وقرون وكانت حاضرة ومؤثرة في حياته ونهضته ومسيرته الموصولة بالحاضر والمستقبل. فإن القول: إن الجديد يكتسح القديم، بمعنى أن يلغيه ويزيل وجوده وحضوره بشكل تام ونهائي، فيه الكثير من المبالغة والاجتراء والكثير من التجاوز للطبيعة البشرية والتفاعل الحي بين الإنسان وعالمه، بما فيه وما أوجده وتواجد به ومعه في الزمان وفي المكان. الذين يميلون إلى ترجيح نهاية حقبة ومرحلة الصحافة الورقية والنشر الورقي عموماً، عليهم أن يتذكروا بأن الإنسان لم يستطع أبداً التخلص من عاداته المتوارثة باللجوء إلى السحرة والمشعوذين والاحتفاظ بالتمائم والطلاسم برغم العقلانية الهائلة والهادرة التي غيرت وجه التاريخ والعالم ونقلت الإنسانية من الكهوف إلى المحطات الفضائية وغزو الكواكب وصناعة المجد الحضاري الذي يغطي وجه الكوكب الأرضي!! لا يعد الأمر مقصوراً ومقتصراً على الجهلة والأميين أو حتى أنصاف المتعلمين.. وإنما هذه طبائع وقناعات لها وجودها المؤثر وحضورها الراسخ لدى قطاعات مهمة من البشر بمن فيهم الأكثر تعلماً والأوفر ثقافة والأغزر مالاً، زد على هذا أننا في عصر يفترض أنه عصر العقلانية المتفجلة ومن غير المعقول أن الإنسان لايزال يتحدث عن الأمية أو الجهل - وهو واقع لا محالة. اللاحق امتداد طبيعي للسابق لا يلغيه ضرورة، وإن كان سيقصيه عن بعض وليس كل جماله ودوره. شكراً لأنكم تبتسمون [email protected]