من حق المعارضة أن تختلف مع النظام في كل شيء دون الثوابت والعكس صحيح ، إلا أن يكون الوطنُ وأمنُه واستقرارُه ورقة لهذا الاختلاف فذلك مالا يقبل به أحدٌ من العقلاء ، وليس من مصلحة أي طرف من الأطراف تسخير هذه الورقة خدمة لأجندته أو استغلالها في تحقيق مكاسب سياسية لأنها بالمنظور الجيوسياسي تعتبرُ مغامرةً غيرَ محسوبة ومجازفةً ذات تأثير سلبي على المديين المتوسط والبعيد وأحياناً القريب إذا ما توافرت عوامل أخرى وتدخلات خارجية تزيد من وتيرة احتقاناتها حتى تولّد بُركاناً يأتي على الجميع . كنت أعتقد أن التباينات الحزبية والمشاحناتالتي تصاحبُ العملية الانتخابية ليست سوى ضبابية تنقشع بانتهاء الانتخابات ، إلاّ أن الأحداث الأخيرة المتعلقة بتمرد الحوثي وما يُعتمل في بعض المديريات «جنوبي الوطن» من جرائم بدعوى الحراك أثبتت أنها عملياتٌ ممنهجة لها ارتباطاتٌ خارجية لا تريد لهذا الوطن أن يستقر بالذات وأنها تنحو هذا المنحى الخطير من التأزيم والتنافر وبث روح الفرقة والشتات وزرع الأحقاد والكراهية بين أبناء البيت الواحد. من الإجحاف أن نحمل طرفاً أو جهةً محليةً بعينها المسؤولية الكاملة عما يجري ، لكن عتبي الشديد واستغرابي الأشد يكمن في الرهان على مثل هذه الجرائم والأحداث والتعاطي السلبي معها دون النظر إلى تبعاتها على أمن البلد بشكل خاص والمنطقة بشكل عام وكأننا قد فهمنا الحزبية بأنها عداءٌ وليست تنافساً لخدمة الوطن والشعب ، ولم ننظر أيضاً إلى الآخرين ونتعلم منهم كيف نختلف وعلى ماذا ؟ ومن أجل من ؟ من المفارقات أن جميعَ الأيادي الخارجية الواقفة وراء ما يجري قد تكشفت وتجلت في أبهى صورها، وأصبح الكلُ على معرفة وثقة كبيرة بأن المستهدف الأول هو الوطن ، ومع ذلك لم نر موقفاً وطنياً صريحاً يقول لتلك الجهات: قفي عند حدك ، فالوطن أكبر من النظام ومن المعارضة ومن الجميع ، لكننا على العكس من ذلك نشمُّ في تصريحات قياداتهم ريحَ التشفي والتواطؤ دون أن يدركوا أنهم بأقوالهم تلك يشجعون الخارجين عن القانون على التمادي والتطاول على مصالح الوطن العليا وتمزيق نسيجه الاجتماعي وإدخاله في متاهات تهدد مستقبله. من المعيب والمخجل أن نرى الكثير من أشقائنا ومثقفينا العرب أكثر حرصاً على بلدنا من بعض القيادات السياسية والحزبية إيماناً منهم بأهمية اليمن ودوره الجيوبولوتيكي للإقليم والمنطقة. أخيراً إذا كان حبُّ الوطن من الإيمان والدفاعُ عنه فرضَ عين على الجميع فعماذا سندافع ، ووطننا يتعرض لأعتى هجمة على مدى العقود الأخيرة ؟ ومن ذا الذي سيكون في منأى عن أي خطر قد يطاله لا سمح الله ؟ لا نامت أعين المتربصين والمزايدين والمكايدين والمتمصلحين واللاعبين بالنار . والله الهادي إلى سواء السبيل.