في القديم كانت القبيلة تحمي الضعيف وتذود عنه، وتدافع عن الحق، وتتمسك به في وجه كل من يحاول اختراقه.. لم يحدث في قديم القبيلة أن تكون حارساً للنهابة أو حامياً لقطّاع الطرق أو آوياً للخاطفين واللصوص!. لم تكن القبيلة في تاريخها الناصع وجوهر عاداتها وتقاليدها نافخاً للكير أو داعياً للفرقة والعزلة. الحروب التي دارت بين القبائل في تاريخ العرب القديم والحديث كانت خارج النواميس، ونقطة ضعف كشفت خطأ العصبوية التي إذا حضرت غابت الفضيلة، وعندما تغيب هذه القيمة تحل الكوارث، وتقوم الحروب، وتتوارى الأخلاق والقيم. ماذا يحدث اليوم للقبيلة؟!. عندما تنادي باصطفاء أبناء جلدتها على أساس مناطقي؛ تكون القبيلة قد انسلخت عن قيم التآلف، وعندما تتحول إلى دكاكين لتفريخ لغة العنصرية والقروية وسيادة قانون الغاب تكون قد شطبت ورقة الأخلاق من أجندتها. عندما يغلب على رجالها ملاحقة الناس واختطافهم نظير فدية تكون القبيلة قد انهارت إلى درجة السفاهة!. عندما تكون القبيلة يافطة كبيرة لدعاة الانفصال تموت معاني الوطنية. وعندما نجد "القبيلة" في تحالف مع قطّاع الطرق والخاطفين وشذّاذ الآفاق تكون باعت تراثها الحضاري، وسقطت في وحل الخيانة المدوية!. عندما يصمت عقلاء القبيلة ترتفع أصوات اللصوص، وعندما يختفي حكماء القبيلة يظهر دعاة الفتنة ونافخو الكير. عندما يختلط فهم قيمة الوطن بثمن بخس كفدية تسقط لغة الناس، ويتحولون إلى مجرد كلاب ضالة!. وعندما تسقط هذه اللغة، يلهث الجميع لقطع رقاب بعضهم ويتكومون فوق جماجم بعضهم، ينفثون رماد تبغهم فوق الأجساد الطرية، ويرقصون على جماجم أترابهم، ويقصّون حكايات ثأرهم القبلي ونخوتهم المناطقية، حيث تجندلت الرقاب، وسالت الدماء!.
كل ذلك يحدث في القبيلة التي رفعت رايات الثأر من الوطن الواحد، والشعب الواحد، والطريق المشترك، والرابية الخضراء، والوجهة المقبلة، والبشارة الواعدة. عندها يستحضرون أمجاد الدم والدمار والرماد، وينسون أنهم أسقطوا من أياديهم رمانة القلب وضحكة الوطن!.