في محطات الكهرباء يرسم على الجدار جمجمة إنذاراً أن الموت مصير من يلمس. وفي عالم الأفكار يوجد ضرب من المسلَّمات يعاقب من لمسها بتيار صاعق من الثقافة السائدة. ويمكن الحديث مثلاً عن اسم كلب أصحاب الكهف أو لون ذنبه ولكن لا أحد يسأل لماذا فرّوا من بلدهم إلى الكهف فآثروا خشونة الصخر على دفء الفراش؟ ولا يخطر في البال أن مسألة التوحيد سياسية أكثر منها تيولوجية ألّا ينقلب المجتمع إلى سادة وعبيد. وقد يبقى الحديث لمدة ألف سنة إلا خمسين عاماً أين رست سفينة نوح.. هل في جبل الأكراد فكان نوح كردياً؟ أم قبالة مدينة سينوب التركية على البحر الأسود فكان نوح تركياً؟ وما كان نوح يهودياً ولا نصرانيا. قل أأنتم أعلم أم الله؟ وعندما تحدث (الغزالي) عن الفقه البدوي هاجمه وعاظ الإسلام (السلفي). ويمكن وصف الفرق بين الغزالي وغيره من كبار الوعاظ اللامعين في المحطات الفضائية أن الرجل لمس الجدار الصاعق. ولم يحمه من الموت إلا تاريخه الطويل فتحمل صدمة الكهرباء، أما غيره فهو يجلس في استراحة الستينيات من القرن العشرين ولو دعي لإلقاء المحاضرات على متن طيارة بالدرجة الأولى في شمال أمريكا. ولعل من أخطر المواجهات الدخول إلى خنادق التحصين الفكرية للقتال بالسلاح الأبيض. والانتباه أن الاستبداد الديني هو أصل السياسي. وما لم يغير وعي ملايين الجماهير التي تجتمع كل أسبوع عند المنبر من خلال إدخال الديمقراطية إلى المنبر والمسجد. ويذكر مالك بن نبي عن سياسي يلبس البذلة ويضع على رأسه الطربوش أن الحضارة دخلت من قدميه ولم تصل إلى دماغه بعد. ولمس الأعصاب الحساسة ينبئك أين موقع الثقافة الزمني هل هي في القرن الواحد والعشرين أم القرن الخامس عشر للميلاد؟ . وعندما قام المؤرخ (توينبي) بدراسة مقطع عرضاني للتاريخ البريطاني وجده مثل آثار طروادة التي كشفها (شليمان) سبع طبقات فوق بعضها البعض، بدءاً من التحول الصناعي وصولاً إلى الإصلاح الديني في منتصف القرن السادس عشر للميلاد. ونحن نظن أن مسألة الإصلاح الديني خاصة بأوروبا ولا حاجة عندنا لإصلاح ديني على طريقة كالفن ومارتن لوثر، ولكن من يجهل بالتاريخ عقوبته أن ينساه الواقع. وعندما تغلق الأسواق مع كل صلاة ولو في ساعة الذروة فليس لأن هناك نصاً بل تقليداً أقوى من كل نص؟ والتفريق بين الدين والتقليد مثل فك لغم أرضي بيد غير خبيرة؟ ومع أن القرآن الدستور الأساسي ينص على عدم الإكراه في الدين بشكل مكرر ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر دخولاً وخروجاً، ولكن هناك شبه إجماع على قتل من يرتد عن دينه، مع أن الآية تذكر الكفر ثلاث مرات بدون قتل مرة واحدة “إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا”(النساء 137). وهذا يعني أن نصوص الفقهاء أصبحت في موضع التنزيل بدون تنزيل وكل الأحاديث التي يرجعون إليها لا تفيد على نحو قطعي ما يريدون، وهي إن فعلت كانت هدماً للدستور الأساسي القرآن الذي ينص على لا إكراه في الدين. ولا يمكن لحديث آحاد أن يلغي نصاً قرآنيا بهذا الإشراق؟ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا؟ ويحقن دماغ الشباب بمفاهيم من التطرف وتحريم الغناء والموسيقى ضد طبيعة الإنسان بأحاديث ضعيفة وموضوعة مثل ذلك الحديث الذي يفيد أن الاستماع إلى (قينة) أي مغنية عقابه أن تفتح أذناه ثم يوضع قمع ويصب الرصاص المذاب بدرجة 800 مئوية فيها ؟ مما لم تفعله مخابرات ستالين ؟ ولا يزيد عن حديث مكذوب ضعيف. وهو الذي دفع ابن حزم الأندلسي قديماً أن يقول لا يوجد حديث واحد صحيح يفيد بتحريم الموسيقى والغناء. وأعجب دليل يسوقونه الآية من سورة لقمان على تحريم الموسيقى ((ومن الناس من يشتري لهو الحديث)) وهو قد يفيد أي شيء سوى تحريم الموسيقى والغناء. فهذه عينات من الفن والفكر السياسي تقول إنه لا بد من إعادة صياغة ثقافة إسلامية معاصرة وبناء مناهج تعليم جديدة ولا بد من إصلاح ديني ولكن من يتجرأ فينطق هذا؟ إن الحكمة تقول إننا يجب أن نقول كلاماً لا يزعج مستيقظاً أو يوقظ نائماً لحين وقوع زلزال آخر. هل يحق للفأر أن يتشاءم إذا رأى قطة سوداء؟