لم يعد يفصلنا عن تتويج مدينة تريم عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2010م أية فسحة زمنية فنحن اليوم في الحدث نفسه نستحضر ذلك الإرث الثقافي والتاريخي التليد لهذه المدينة العتيقة بوصفها إحدى حواضر المدن العربية والإسلامية وتنهل من القيم الأصيلة للحضارة الإسلامية العريقة بما تحمله من تجليات وشواهد حية تنطق عنها أزقة وزوايا وأربطة ومساجد تريم وحضورها العلمي وتأثيرها الثقافي والفكري وبهاء فنونها وإرثها المعماري ونبل أبنائها المتجذرة فيهم معاني الصفاء والنقاء والمحبة والإيثار والإتقان في العمل والإخلاص والمثابرة في الحياة.. وبما أننا في الحدث - ذاته – فإن تريم بما تمتلكه من مخزون ثقافي وإرث حضاري وما تحتله من مكانة وقيمة ثقافية وروحية سوف تكون قادرة على استيعاب وترجمة تلك التجليات والمكونات ومن خلالها تشريف الوطن عموماً وإبراز مخزونه الثقافي والتاريخي والتراثي واستلهام ذلك الحضور والتفرد الغني الذي تختزله مدنها العتيقة بتنوع تراثها الإنساني وعطائها الثقافي والإبداعي .. ومع هذا التوهج والابتهاجات باحتضان تريم والاحتفاء بها عروساً للثقافة الإسلامية لهذا العام فإنه لا يخالجني شك في أن الجهود الجبارة التي بذلت من قبل قيادة السلطة المحلية في محافظة حضرموت والوادي والصحراء ومديرية تريم ومتابعتها الحثيثة والمستمرة وتدخلات صندوق إعادة الإعمار لمناطق حضرموت والمهرة لتأهيل المدينة وقيامه بتنفيذ أعمال إسعافية عاجلة بتوجيهات من مجلس الوزراء لامست نحو (15) مشروعاً من مشاريع البني التحتية وخصوصاً في الخدمات الأساسية وسفلتة عدد من الشوارع الرئيسية ورصف وتبليط الساحات العامة فيها وإجراء معالجات سريعة للإصحاح البيئي إضافة إلى إعادة تأهيل وترميم عدد من القصور والمباني الأثرية والتاريخية وغيرها من الأعمال الأخرى- سوف تؤتي ثمارها في إظهار هذه المدينة بصورة جاذبة وبمظهر جمالي يليق بشرف اختيارها بين المدن العريقة في مشارق ومغارب العالم الإسلامي لتكون عاصمة للثقافة الإسلامية لهذا العام وجعلها مهيئة لاستقبال هذا العرس الثقافي العالمي الكبير وبما يليق بمكانتها التاريخية والحضارية وبدورها الفكري والثقافي وإرثها الحضاري . فتريم المدينة ستكون عاصمة، أي أنها ستكون حبلى بالنشاط والحركة والحيوية وقبلة للباحثين والمثقفين والمفكرين والأدباء الذين سوف يعطرون ليالي الغناء ثقافة وأدباً وشعراً ويستلهمون دورها وحضورها وهذه الأجواء تتطلب تهيئة من نوع آخر تضمن مشاركة مجتمعية حقيقية وتفاعلاً وتناغماً ايجابياً مع مناخات هذا الاحتفاء الكبير وتدمجه معها ولا تفصله أو تعزله عنه , فتكسر حالات الجمود ويزاح حاجز الفتور, وتهزم ثقافة التبلد والانغلاق والتوهان وراء سراب الوهم والخزعبلات لمعايشة الحاضر والتعاطي معه والاستعداد لمواكبة تطوراته ومفرداته في مختلف مجالات الحياة. فال (111) فعالية التي أعدت للاحتفاء ب “تريم” عاصمة للثقافة الإسلامية والمتضمنة - حسب ما هو معلن من اللجنة الفنية المختصة – (12) معرضاً تتنوع ما بين الحرف اليدوية والصور الفوتوغرافية والأزياء والموروث الشعبي، بالإضافة إلى (15) ملتقى ومهرجاناً ومؤتمراً مثل مؤتمر عن دور “تريم” العلمي في التاريخ الإسلامي، وملتقى الطفولة العربي والإسلامي، وملتقى دمون الشعري للشعراء الشباب العرب وآخر عن الفنون التشكيلية في العالم الإسلامي، بالإضافة لمهرجان باكثير، وليالي تريم ومهرجان الشعر الشعبي وأيضاً (24) ندوة احتفائية ب (24) علماً من أعلام اليمن، ومشاركات الأيام الثقافية لمختلف المحافظات والأسابيع الثقافية لعدد من الدول الإسلامية ومن بينها ماليزيا واندونيسيا وتركيا، وغيرها من الأنشطة والفعاليات الثقافية الأخرى التي تستضيفها تريم على مدار عام كامل، كل هذه الفعاليات والمناشط خطة طموحة تحتاج إلى جهد مخلص في تنفيذها ويجب أن تشمر كافة الجهود في اتجاه دعم هذه المسارات والإسهام في أن تتحول إلى تظاهرات ثقافية ومعرفية وأن نرى احتفائيات تليق بتريم ومسيرتها وأدوارها المتعددة والبارزة ثقافة وأدباً وفكراً وإرثاً حضارياً وتعبيراً صادقاً عن الوفاء والانتماء الذي يعكس عمق الأصالة والقيم الروحية والوجدانية, ونحسب أن مجتمع تريم الذي عرف عنه التعاون والتكافل والإيثار والإبداع والعمل والإتقان سوف يكون في مقدمة من يسهم في إنجاح هذه الاحتفائية الإسلامية والعالمية الذي يهدف في المقام الأول، إلى التعريف والتأكيد بدور تريم الريادي في نشر الثقافة والعلم والدعوة إلى أصقاع المعمورة و تخليد أمجادها الثقافية والحضارية وتجديد مضامينها، وإنعاش رسالتها ودورها في خدمة الثقافة والآداب والفنون والعلوم والمعارف الإسلامية في مختلف الحقب التاريخية. فتريم مدينة الروح والسلام والمحبة والثقافة والتعلم والعلم تفتح ذراعيها للاحتشاد والاحتفاء بعرس أعراسها التي يجب أن تكون بالصورة التي تليق بها أكراماً لها وإجلالاً لدورها وتاريخها الإسلامي العظيم المبجل بالعطاء الفكري والثقافي ولما عرف عن دعاتها ورجالاتها الذين حملوا رسالة الوسطية والاعتدال في نشر الثقافة الإسلامية والدعوة إلى الله في كثير من البلدان وخصوصا في آسيا وأفريقيا بالتقوى والهدى والحكمة والكلمة الطيبة والموعظة الحسنة ، و لما تحتويه من صروح معمارية إسلامية بارزة وفنون عمارة طينية شاهدة على ثراء وإبداع.. هنا تريم .. منار علم .. وإرث حضاري تعلن نفسها عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2010م وهي بذلك تكتشف عن وجود نفسها وتجدها فرصة سانحة لإظهار وإبراز مخزونها وإرثها الثقافي والحضاري والبوح بأسرار تفوقها وحضورها في ميدان العطاء الإبداعي والثقافي والتنويري..فهذه “تريم” الغناء تستحق هذا المجد وهي تتوج اليوم عاصمة للثقافة الإسلامية ومعها يحتفي الوطن توهجاً وتألقاً بها وبعرسها الثقافي الذي ستمتد فعالياته وبرامجه لمدة (360) يوماً إلى مختلف أرجائه الكبير احتفاءً بالثقافة والحضارة والتراث والتاريخ . [email protected]