حكم الشعب هو الفكرة الأساسية التي قامت لأجلها الثورة اليمنية للتخلص من الحكم الإمامي الكهنوتي الأسري الذي جثم على الشعب لعدة قرون استمد خلالها شرعيته من أفكار ظلامية تدعي الحق الإلهي في تولي السلطة وحصر هذا الحق في سلالة معينة وعلى أساس مذهبي بكل ما يعنيه ذلك من إلغاء حق الشعب في السيادة على نفسه باعتباره مالك السلطة ومصدرها، يضاف إلى ذلك التخلص والتحرر من النظام الاستعماري البريطاني وملحقاته الذي أحكم قبضته الحديدية على جزء من الشعب في الشطر الجنوبي من الوطن قرابة قرن ونصف.. وقد تشكلت البدايات الأولى للوعي الوطني بأهمية حكم الشعب بظهور حركة التحرر الوطني في منتصف العقد الثالث من القرن العشرين بمختلف أطيافها وتكويناتها السياسية والفكرية وما قدمته من برامج ومشاريع لتحقيق هذه الغاية وأهمها على الإطلاق ما عرف بمطلب “الدسترة” أي إيجاد دستور يمثل عقداً اجتماعياً بين الحاكم والشعب وتم تصفية رواد هذه الحركة جسدياً باعتبارهم دعاة للكفر والإلحاد والخروج عن طاعة الحاكم وعلى الرغم من ذلك فقد استمرت هذه الجهود التنويرية وتوجت بقيام الثورة اليمنية التي وضع حكم الشعب في صميم أهدافها المجيدة، إلا أن الظروف الذاتية والموضوعية التي رافقت قيام الثورة وما بعدها حالت دون تحقيق هذا الهدف وكان المبرر لهذا التأجيل حماية الثورة والأنظمة الجمهورية من السقوط فنشأت أنظمة سياسية شمولية في كلا الشطرين مارست السلطة باسم الشعب ودون تفويض شعبي منه مستندة في ذلك إلى ما يعرف بالشرعية الثورية فلم يتحقق الاستقرار السياسي والمجتمعي وبالتالي أخفقت في إحداث التنمية الشاملة. فكان المخرج الحقيقي من هذا المأزق هو العودة للأخذ بخيار حكم الشعب على قاعدة الوحدة والاعتراف بحق الشعب في التعبير عن ذاته سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ومن خلال عقد اجتماعي جديد “الدستور” وبالكيفية التي أرادتها وتصورتها الحركة الوطنية قبل قيام الثورة.. وبعد أن كانت هذه الدساتير وفي ظل الدولة الشطرية تصاغ لتجعل من الشعب أدواة الدولة وليس العكس وتوج هذا الخيار بتوقيع اتفاقية الوحدة في الثلاثين من نوفمبر 1989م وتسارعت الخطوات الوحدوية وصولاً إلى إعلان إعادة تحقيق الوحدة اليمنية 22مايو 1990م واكتملت هذه العملية بإجراء الاستفتاء الشعبي على دستور الجمهورية اليمنية في مايو 1991م وبذلك تم الانتقال عملياً من مرحلة الشرعية الثورية إلى مرحلة الشرعية الدستورية والاحتكام لمبدأ حكم الشعب. #متخصص في التعددية السياسية والإصلاح الديمقراطي