مثلما ذكرت في الجزء الأول استقلينا سيارة الأجرة التركية والسائق التركي الناطق للغة العربية ، حيث الغالبية من سكان أنطاكيا أو لواء الإسكندرون يتقنون التحدث باللغة العربية نتيجة لتاريخهم الماضي وقربهم من الحدود السورية ، إضافة إلى أنهم كانوا قبل استقلال سوريا جزءاً من الأرض والكيان العربي السوري وأصبحت الآن أرضاً تركية برضا الطرفين . كان الراكبان معنا في سيارة الأجرة أحدهم من تركيا وزوجته السورية وهنا ترى بوضوح تطابق العادات والتقاليد والملابس الشعبية والمفردات اللغوية أيضاً متداخلة لدرجة أنك لا تميز بين السوري والتركي أو إلى أي قوم ينتمي هؤلاء الناس. كانت قيمة الأجرة لشخصين من حلب حتى أنطاكيا المدينة ألف ليرة سورية، وهو مبلغ كبير إذا ما قسناه بأجرة الحافلة من حلب حتى أنطاكيا لكننا كنا على عجلة من أمرنا للحاق بالحافلة التي ستنقلنا إلى وسط تركيا وعلى بعد أكثر من ألف كيلو متر براً. ويجب الإشارة هنا إلى أن انفتاح الدولتين على بعضهما البعض فتح آفاقاً جديدة لوسائط النقل والتنقل بين البلدين . فبإمكانك أن تستأجر سيارة أجرة سورية أو تركية بمفردك إن أحببت، وبإمكانك أن تستقل سيارات الأجرة مثلما فعلنا، وكذلك بالإمكان أن تكون أحد ركاب الحافلات الكبيرة وفي نفس الوقت أنت مخير أن تستقل سيارتك وتتنقل بها للبلد الآخر بنفسك دون أي تعقيد، قيل لنا إن الطريق وإجراءات الجوازات والتفتيش في الجانبين لن يستغرق أكثر من ساعتين ونصف على أكثر التقدير . تحركت السيارة منطلقة من حلب إلى باب الهوى ( وهو اسم منفذ الحدود ) حيث هناك أكثر من منفذ بين سورياوتركيا والحقيقة أن الطريق كان واضح المعالم بالنسبة لأي سائق قادم من خارج سورياوتركيا ويريد الذهاب إلى إحدى الدولتين فمعالم الطريق والإرشادات واللوحات بارزة ولن يستصعب عليك الأمر كغريب تقود سيارتك وتتجه إلى وجهتك المحددة لسوريا أو تركيا . فاللوحات كبيرة وبارزة في الأرض السورية حيث ترشدك إلى مسارك إن كنت تنوي الذهاب إلى تركيا والحقيقة إن اللوحات في الطريق لا تغيب كل بضع كيلومترات وعند كل تقاطع طرق حتى لا تتوه ويضيع وقتك في السؤال عن الوجهة التي تريدها أجد نفسي هنا أتذكر متألماً معالم الطرق (وخصوصاً الطويلة ) في بلادنا حيث تقصير الجهات المعنية في وضع اللوحات البارزة وذات الأحجام الكبيرة مثلما هو في كل دول العالم، ويعتصرني الألم أكثر لمعرفتي بالإهمال واللامبالاة بل والتخريب من قبل المواطن للوحات الصغيرة الموجودة أو التي كانت موجودة والتي تدل على انعدام الذوق والحس الوطني بكل المقاييس . الطريق في الجانب السوري (وأنا هنا مازلت في الجانب السوري ) يبدو إلى حد ما ليس بعيداً عن مواصفات بعض الطرق الطويلة في اليمن ذات الاتجاهين وإن كنت منصفاً لقلت إن الإخوة السوريين يتفوقون علينا في هذا المجال وبشكل أرقى إلى حد ما . التوحد بيننا وبين الأشقاء السوريين كمواطنين تلمسه وأنت في طريقك إلى باب الهوى في السير عكس الاتجاه من قبل بعض السيارات السورية بالتحديد وكذلك وجود بعض الورش ومحلات تغيير الزيوت بشكل فوضوي وتلك الصورة نلمسها في كل الطرق اليمنية وبالطبع فهي معدومة تماماً في الطرق التركية ويبدو أننا كعرب متوحدين في مخالفتنا للأنظمة وحبنا للفوضى . وصلنا إلى نقطة الحدود ( باب الهوى ) والحقيقة إن الحركة كانت انسيابية في الجانب السوري مقارنة بمنافذ الحدود في اليمن وتلك المقارنة حملتها في ذهني قبل بضع سنوات سواء في منفذ الوديعة أو منفذ الطوال والمقارنة هنا ظالمة في حق الأشقاء السوريين رغم مضي سنوات على ذلك إلا أنني مازلت أتابع كل جديد في منافذنا والتغيير والتطوير لدينا هو شكل نسبي حتى الآن. ذهب سائق الأجرة التركي لتخليص إجراءات سيارته وهذا الإجراء هو ورقة واحدة فقط وذهبنا نحن المسافرين إلى صالة قسم الجوازات وقد عاد هو بعد أن أنهى إجراءاته في فترة وجيزة كانت صالة الركاب السورية كبيرة ومبنية منذ أواخر الثمانينيات إن لم تخن الذاكرة وبها أقسام ولوائح للمغادرين من السوريين والعرب والأجانب وقد أنشئت في ذلك الزمان حيث يحتاج مواطنو الدولتين إلى فيزا دخول أما الآن فلا حاجة لذلك وبالتالي ستكون الصالة ( رغم كبرها ) صغيرة في السنتين القادمتين بالتأكيد. كنت فضولياً وشغوفاً لمعرفة هل هناك متطفلون موجودون هنا في هذه الصالة وخارجها ليسوا موظفين أو مسافرين مثلما نرى في أغلب منافذنا الحدودية في اليمن ؟ وللحق أقول لم أشاهد تلك الصورة والتي أصبحت مألوفة لدينا في مطاراتنا ومنافذنا الحدودية البرية بالتحديد والمسؤولية كل المسؤولية في هذه الصورة المشينة تقع على عاتق مدير المنفذ بشكل أساسي. ولو عدت قليلاً للوراء قبل أن أدخل المنفذ فإنني لم أشاهد في الجانب السوري أكشاكاً وصنادق أو متسولين مثلما هو مشاهد لدينا. تقدمت إلى رجل الجوازات وتحت اللوحة المكتوب عليها العرب وتمت إجراءات خروجي ومرافقي بشكل سلس وسريع ودون أن يعطيني موظف الجوازات نظرة من عينيه أفسرها بالشكل الذي أحياناً نعرفه لدينا كيمنيين بأنه يريد حق «ابن هادي أو حق القات». حقيقة سارت الإجراءات بشكل سريع لم أتوقعه وإذا بسائق السيارة التركي ينتظرنا في سيارته ورغم أنها مجرد دقائق لا تزيد عن الخمس اعتبرنا في نظره أننا قد تأخرنا وأن له مدة في انتظارنا، تحركت السيارة قليلاً وتوقفت عند السوق الحرة السورية ليشتري السائق بعض السجائر حيث أسعارها ملتهبة في تركيا كل ذلك ونحن مازلنا في داخل حدود الحرم الجمركي السوري، بعد أن تبضع السائق والراكب الآخر من السوق الحرة توجهت السيارة إلى آخر نقطة في المنفذ الحدودي السوري وهنا يأتي دور الحرس الأمني الذي يطلع على جواز سفرك وأنت جالس في السيارة ليتأكد من شخصيتك أولاً ومن ختم الخروج الذي وضعه موظف الجوازات ثانياً وهذا إجراء روتيني يقابله المسافر المغادر سواء عن طريق البر أو الجو في كثير من المطارات الدولية . في هذا الموقف أجد نفسي مجبراً على تذكر نفس الموقف عندما كنت خارجاً من منفذ الطوال وكذلك من منفذ الوديعة وأجد نفسي أضع مقارنه بين مركزي ورتبتي رجلي الأمن في سوريا وفي اليمن في هذا الموقف بالذات وفي هذه النقطة بالذات وهي للعبرة. كانت رتبة رجل الأمن السوري عالية وبجانبه بعض المساعدين من ذوي الرتب العالية أيضاً وفي لحظات فقط الهدف منها التأكد من أن الإجراءات سليمة يودعك بابتسامة تليق به وتشرف رتبته التي يحملها لابد في هذا الحال أن اذكر أن شكل القوس والذي مرفوع عليه علم البلاد يدخل على النفس البهجة لجمال آخر منظر تودعه من سوريا. لكن والحال في هذا الحال يختلف كلية لدينا في اليمن فإنك ستجد العسكري يقلب جواز سفرك بالمقلوب وهو لا يدري ماذا يريد وأنت لا تدري ماذا هو فعلاً يريد ..!؟ هنا تحضر كل الوساوس والمناظر المتخلفة منتهية برفع العلم الوطني على مجموعة صخور أو براميل تذكرنا بعصر حدود البراميل بين الشطرين (سابقاً) وهو أول منظر نشاهده وآخر منظر نودعه يرسخ في أذهاننا عن اليمن فهل نقبل أن تكون هكذا اليمن ..!؟.