لاجدال في أن الشورى مبدأ إسلامي أصيل بنص القرآن الكريم قال تعالى: (وأمرهم شورى بينهم) وقال تعالى: (وشاورهم في الأمر» وقد اتفق معظم العلماء المعاصرين على هذا المبدأ وأنه واجب وثار الخلاف بين بعضهم حول ما إذا كانت الشورى مُعلمة أم ملزمة إلا أن هذا الخلاف يكاد يكون محسوماً في أن الشورى ملزمة للحكام بعد رسول الله(صلى الله عليه وسلم) لأن الرسول عمل بها وهناك تطبيقات من حياته عليه الصلاة والسلام تؤيد إلزامية الشورى، ومن ذلك نزوله عليه السلام على رأي الأغلبية في غزوة أحد رغم أن هذا الرأي مخالف لما كان يريده (صلى الله عليه وسلم) حيث كان رأيه ملاقاة العدو داخل المدينة وعدم الخروج إلى خارجها كذلك ترديده في غزوة بدر(أشيروا علي أيها الناس) ثم أخذه برأي الحباب بن المنذر في اختيار موقع معسكر الجيش، والأمثلة كثيرة من سيرته عليه السلام. في العصر الحديث ظهر مصطلح الديمقراطية وصارت عنواناً لتقدم الشعوب ورقيها بل أصبحت تفرض من قبل الدول القوية فرضاً على الدول الضعيفة وترتبط مساعدات البنك الدولي بها ولكي تتضح صورة هذا المفهوم فإنه لابد من إلقاء الضوء على هذا المصطلح فالديمقراطية بمعناها اللفظي – كما يراه البعض – هي حكم الشعب نفسه بنفسه استناداً إلى اللفظ اللاتيني المكون من كلمتي(ديمو، قراطي) وهي تعني سلطة الشعب ثم إن هذا المفهوم تطور بعد ذلك إلى(حكومة الأغلبية) إلا أن الواقع يكشف عن تعريف أكثر دقة وهو(حكم الأغلبية الناخبة) واستناداً إلى هذا المفهوم فقد اعتبرها الإمام محمد عبده أنها تعني غياب الاستبداد المطلق، أما الشيخ محمد الغزالي فيقول(قبل أن نحتقر كلمة الديمقراطية ونجبه قائلها نقدم العوض الاسلامي عنها ومن آثارها القريبة والبعيدة وأي حرج في أن ننتفع بتجارب الماضي الطويل عندنا وعند غيرنا ونحن نضع الدساتير». والحقيقة أن الديمقراطية المعاصرة – كما يقول خليفة الكواري – أبسط مما يعتقده البعض فيها أو ينسبه إليها أو يطالبها به ومفهومها أكثر تواضعاً، فأبرز خصائصها أنها منهج وليست عقيدة تناقض غيرها من العقائد الشاملة. أما سبب رفضها من قبل بعض الإسلاميين فيعود إلى طريقة عرضها من قبل العلمانيين حيث قدمها بعضهم كعقيدة في مواجهة الإسلام واعتبروها جزءاً من العلمانية ومنحوها بعداً اجتماعياً وثقافياً بالإضافة إلى البعد السياسي. والذي نفهمه من الديمقراطية أنها آلية للتداول السلمي للسلطة هكذا بكل بساطة كما قال الكواري لكن الطرح العلماني السابق هو الذي دفع بعض الإسلاميين إلى رفضها بل واعتبارها كفراً بواحاً تعطي حق الحاكمية لغير الله عز وجل. ومع وجود بعض التحفظات على الديمقراطية بشكلها الحالي إلا أنها أفضل بكثير من الاستبداد وماكانت تعانيه الشعوب من قهر وظلم وصحيح أن الديمقراطية تساوي بين صوت المتعلم والعالم والجاهل مما يجعل حسن الاختيار صعباً فقد صعدت إلى سدة الحكم أنظمة جرّت الويلات على منتخبيها وعلى العالم ولكن بتطوير آليات المحاسبة والرقابة وتفعيلها يمكن الاستفادة من الديمقراطية في تطوير الشورى لدينا. واحتفالنا بالديمقراطية إنما هو تذكير بالمنجزات العظيمة التي رافقت إعادة تحقيق الوحدة المباركة فقد كنا نعيش عصراً شمولياً وجاءت الوحدة لتفتح الباب على مصراعيه للتعددية السياسية بل والثقافية غير أن هذه الديمقراطية بحاجة ماسة إلى بعض الضوابط التي بدونها ستتحول إلى فوضى عارمة والدستور وإن كان ضمانة قوية إلا أن تطور النظم السياسية عملية لابد منها فلايجب الوقوف حتى يطور الآخرون أنفسهم لنستنسخ منها نظمنا وإنما علينا العمل من حيث انتهوا. هنيئاً لشعبنا أفراحه بالوحدة والديمقراطية والسلام وبقي في النفس شيء لماذا لايتغير يوم الديمقراطية ويتزامن مع يوم الوحدة باعتبار أننا شهدنا أول تعددية سياسية معها وكل عام وأنتم بخير!!