الزمن: يوم الإثنين العاشرة صباحاً 3/5/2010 بتوقيت مدينة حدة وهي المكان ,هناك يتضح أن الموت أكثر إيلاماً وحزناً وأنه مختلف عن كل موت لأن الميت (المقتول) غريب ومشكلته أنه من الصومال , الذي يتربص الموت بأهله في كل مكان ,حتى غدا موت الصومالي أمراً اعتيادياً، وقد تقاسم البر والبحر جثث الصوماليين على مرأى ومسمع من العالم في أطول مذبحة , ولا يبدو أن أبوابها ستغلق عما قريب. لا فرق بين قاتل يستخدم البندقية أو غيرها من الأسلحة وقاتل يمتطي سيارة فارهة فيصدم إنساناً ويرديه قتيلاً , ثم يتركه ملقياً على الأرض ويواصل مشواره على صهوة السيارة وكأنه لم يفعل شيئاً.. من يدري لعل الميت ظل حياً لفترة من الوقت قبل أن يموت متأثراً بجراحه وآلامه وغربته، حيث لم تمتد إليه يد العون والإسعاف وظل في مكانه من العاشرة صباحاً إلى الواحدة ظهراً . القاتل غادر المكان مزهواً بسيارته معللاً نفسه بأنه صومالي والناس لم يجرؤ أحدهم على فعل شيء خوفاً من إلصاق التهمة عليه وهذه بحد ذاتها مشكلة يذهب ضحيتها الكثير من الناس خوفاً من العواقب.. لأن الجهات المختصة لا تفرق بين قاتل وفاعل خير فانتفت الفضيلة بسبب تلك الإجراءات . ظل الصومالي الغريب المسكين طيلة أربع ساعات قبل أن يأتي من يأخذه من مكانه إكراماً لإنسانيته أولاً.. كأنما القيم قد انحلّت فجأة في الزمن والمكان ولم يبق إلا القليل ممن استثارهم المشهد وحرك مشاعرهم الإنسانية التي قيل إن للإنسان اليمني صلة كبرى بها أو أنه صاحبها الأول وأشياء كثيرة من هذا القبيل . أحدهم وأحسب أنه أقل الحاضرين والمشاهدين مالاً لكنه أكثرهم قيماً وأخلاقا ومبادىء لم يهدأ له بال فظل يتصل بهذا وذاك من الأفراد والجهات ليفعلوا شيئاً يعيد لهذا الميت كرامته وقد مات , ويكفي أن هذا الميت وأمثاله قد هينت كرامتهم في البر والبحر وطول مسافات السفر وأوقات الغربة.. وصل الأمر لأن يتصل الناس بوسائل الإعلام لتأتي تصور المشهد وما كان أغنانا عن تلك المشاهد لو أن القيم والأخلاق كانت حاضرة من أول وهلة ولم يترك الغريب المسكين على قارعة الشارع كل ذلك الوقت في بلد ما كانت هذه الظواهر لتحدث فيه لولا الشياطين وأعوانهم ولولا الكثير من تعقيد الإجراءات ولولا غياب الحس الديني والإنساني . لا أدري لماذا بدا لي الأمر غير ما هو عليه وجعلني أعيد شريط الأحداث التي مرت على الصومال من بداية اندلاع الحرب الأهلية اللعينة التي بدأت لغرض واحد ووصلت إلى مرحلة القتل العبثي في الداخل وهو الذي دفع بمئات الألوف من الصوماليين إلى الهجرة والرحيل والاغتراب المر بعدما أكلت الحروب منهم ما لا يعلمه إلا الله وحده , ثم تلقفهم البحر في طريق الهروب من الموت ليقع الكثير منهم في قبضة تجار الموت في البحر في أسوأ تجارة تشهدها الدنيا فألقى بالكثير منهم طعاماً للأسماك بدم بارد والكثير منهم غرقوا ومن وصل إلى البر هنا أو هناك بدأ رحلة العذاب فأخذ البر قسطه من أجساد وأرواح الصوماليين وصولاً إلى حادثة اليوم وكلها سلسلة من الموت يتحمل مسئوليتها الذين أشعلوا الحرب الأهلية في الصومال والذين توارثوها.