بدا الحزب الاشتراكي بعد حرب 1994م خارج الجاهزية السياسية جراء ما أفرزته المرحلة، وكان ذلك طبيعياً آنئذ، وبدا طرحه حول تصحيح مسار الوحدة متناثراً ومتعدداً تحت تأثير الانقسامات والجراحات التي كانت لاتزال طازجة. ومضت سفينة العمل السياسي الوطني إلى الأمام، ولم تنتظر المتخلفين عنها أياً كانت حجتهم ومسوغاتهم، وكان من الطبيعي أن يستثمر شركاء الدفاع عن الوحدة تضحياتهم ويتسلمون قيمة فواتير الشراكة في الحرب على حساب الشريك في الوحدة. وظل هذا مفهوماً إلى مدى معين، وما أن جاءت الانتخابات البرلمانية 1997م وانفض جزئياً ائتلاف المؤتمر والإصلاح حتى كان الجميع ينتظر تعديلاً في خطاب الحزب الاشتراكي وقراءة جديدة للواقع السياسي الذي أفرزته جملة معقدة من الأحداث، لكن ذلك لم يحدث؛ بل استحدث الحزب الاشتراكي مقاطعة الانتخابات، وكان قراراً يستند إلى آثار الحرب ولا يستند إلى ديناميكية العمل السياسي الذي يرصد المتغيرات. ثم جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وكان الوضع مهيأ لالتقاطة ذكية من الحزب الاشتراكي للمتغيرات المحلية والدولية، ليهيئ نفسه بديلاً للخروج من مراوحة العملية السياسية بين الوسط واليمين واليمين المتطرف، وبدا الرهان على الفكر التقدمي اليساري والقومي والمدني ضرورة تستجيب لها البيئة الوطنية والإقليمية والدولية.. لكن انكفاء الحزب الاشتراكي على الخطاب الأخلاقي، وتعويله على شراكة التوافق بدل شراكة الديمقراطية ومواصلة النكاية بالسلطة، وعدم الاعتراف بنتائج الحرب، والتباكي على الجنوب والخطاب الثأري الخالي من النظرة السياسية، كل ذلك جعل الحزب يراهن على تحالفات غير منطقية وغير ذات جدوى منها صيغة أحزاب اللقاء المشترك بالرغم من كل تناقضاتها. وكان من الواضح أن صيغة اللقاء المشترك لا تناسب الحزب؛ وليست على مقاسه؛ لا من حيث الرهانات الفكرية والتقدمية والمدنية؛ ولا من حيث الرهان السياسي البراجماتي، بقدر ما استفاد الآخرون من تقييد الحزب والمزايدة به وممارسة إقصائه بصورة مباشرة وغير مباشرة والعمل على زيادة الفجوة بينه وبين المؤتمر والسلطة. ذلك أن التجمع اليمني للإصلاح سخر المشترك لأولوياته الحزبية والسياسية باعتباره التنظيم القائد للتحالف ولحسابات ترى في تقارب الاشتراكي مع المؤتمر خروج الإصلاح عن قطار الشراكة في السلطة وتضاؤل قدرته على حماية مصالحه واتجاهاته، وتلاشي الحاجة إليه في المنعطفات السياسية الوطنية. وظل الإصلاح أكثر استثماراً لإقصاء الحزب عن أي تقارب مع الحاكم، بل سعى لتوريطه في معارك ليست في أولوياته الحزبية والسياسية والفكرية والوطنية.. وخلت الساحة في المحافظات الجنوبية والشرقية لوريث الحزب الاشتراكي، الشريك في حرب الدفاع عن الوحدة، لتصبح الساحة الجنوبية بعد حرب صيف 1994م ساحة ثأر على مستوى المساكن والوظائف والقرار؛ جعلت إقصاء الحزب مركباً لا يقتصر على سلوك الحرب؛ بل يتعداها إلى سلوك ما بعد الحرب، فضلاً عن الأطراف الجديدة التي تسلمت فواتير الشراكة في الحرب من مقدرات المحافظات الجنوبية، واعتبرت نفسها وريثاً وبديلاً أيديولوجياً، ومضت في أسلمة أبناء المحافظات الجنوبة حتى أصبحت ذات جيوب تحتضن التطرف والإرهاب، وجعلت منها مصدراً لتهديد السلم الوطني والإقليمي وأخيراً العالمي!!. وبينما تحدث كل هذه المتغيرات من حول الاشتراكي؛ ظل متمسكاً بخطاب ما بعد الحرب، وخطاب المشترك بعد ذلك، الذي لا يخرج عن مصلحة الإصلاح واسثماراته السياسية، وظلت ممارسة الحزب خارج الفعل السياسي والاجتماعي والثقافي على الأرض، ورهن كل حراكه بوجوده في السلطة على النحو الذي ألفه لا على النحو الجديد. وفقد الحزب تدريجياً أعضاءه وأنصاره وأشياعه، وتسللوا إما بالارتداد إلى اليمين المتطرف، أو إلى التقية بالمؤتمر الشعبي، أو إلى السلبية بالانسحاب من الحياة السياسية، أو بالانسحاب من هيئات الحزب ومن كتلته البرلمانية إلى كهوف الحراك غير السلمي مثلما فعل بعض أعضاء كتلته البرلمانية الذين تركوا البرلمان وذهبوا ميدانياً لقطع الطريق وقيادة عصابات التخريب والتعبئة المناطقية والتحريض على الكراهية والتحالف مع القوى التقليدية والرجعية وبقايا الاستعمار، وتخلوا عن كل الأطروحات التقدمية على مستوى الفكر وعلى مستوى الوحدة والوطن. كل هذا جرى والحزب واقف في ذات المربع لم يحرك ساكناً لا على مستوى الرؤية ولا على مستوى الحركة، وأصبح في وضع هو أحوج ما يكون فيه إلى فك ارتباطه مع المشترك لا إلى الفرجة السلبية لدعاوى فك الارتباط الوحدوي. وجاءت مبادرة فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح عشية الذكرى العشرين لقيام دولة الوحدة ليضع الكرة في مرمى الحزب الاشتراكي اليمني، حين جعله في مقدمة الأطراف السياسية المعنية بالحوار الوطني وبتشكيل حكومة وحدة وطنية تنفذ مصفوفة البرنامج الوطني الذي سيفضي إلى انتخابات تتيح للحزب الاشتراكي أن يعود إلى مكانته من بوابة الانتخابات وليس من بوابة الصفقات، في اتجاه واضح لرد الاعتبار للشريك في بناء الوحدة، مع وضع شركاء الدفاع عنها في الحسبان وفي سياق المتغيرات والممكنات السياسية والوطنية الحالية. ولكن.. هل يلتقط الحزب الاشتراكي هذا العرض، وكيف سيلتقطه، وهل يبارح المربع الذي أحاط به نفسه منذ 94 حتى الآن، وهل ينتقل من زاوية الانتظار للفرج الغيبي إلى العمل السياسي الواقعي؛ تأكيداً لحضوره، لاسيما بعد أن استنفد شركاء الدفاع عن الوحدة قدراتهم في الحفاظ على مكتسبات الوحدة واستمرارها في المحافظات الجنوبية؟!. ثم ماذا على الطرف المبادر أن يقدم في المقابل لمساعدة الحزب على العبور من مربع العجز إلى مربع الشراكة الوطنية وتعديل المآلات السياسية والثقافية في البلاد بعد أن أصبحت نهباً لقوى التخلف والتطرف، وبعد أن أصبحت إمكانات التحالف والتوافقات السياسية غير قادرة على الفكاك من قبضة اليمين المتطرف/الضرورة. [email protected]