تمت هجمة المسلحين الضارية على مبنى الأمن السياسي بعدن في رابعة النهار، وتحديداً عند الساعة الثامنة صباحاً، وتوقيتاً مع نهاية ما يسمى بطابور الصباح عند العسكريين، حيث ينصرف الجميع للانشغال بأعمالهم، وربما تناول وجبة الإفطار، والعجيب في الأمر أن هذا التوقيت لم يكن مثالياً للمهاجمين، لكنه كان مثالياً لجهة تعميم رسالة ناجزة للسلطات، وإشعارهم بأن المجال ليس مباحا لمبادآت الدولة فقط، بل العكس أيضاً. تلك هي الرسالة التي توخّاها المهاجمون. يكشف ما جرى هشاشة الوضع الأمني النابع جوهريا من انتشار السلاح، ومن يتاجرون به خارج الشرعية، بالإضافة إلى الفساد الذي يتوازى مع بيئة الفقر والمفارقات، وليس من طريق لتسوية هذه الحالة سوى العودة إلى أصول الأشياء، ومجابهة الأسباب العميقة وراء ما جرى ويجري . لقد اختارت الدولة قبل حين طريق الحوار مع الشباب المُتشدد، واستطاعت من خلال ذلك الحوار تحييد مجاميع منهم، وتحريرهم من«غسل الدماغ »، وكانت المسافة الدقيقة الفاصلة بين عقلية المتشددين وما تراه الدولة كفيلاً بتحقيق تقدم مؤكد، بل كان مثار إشادة، حتى من قبل الجوار العربي الذي رأى فيها خطوة طيبة باتجاه تقليص مساحة التعبئة الأيديولوجية الدينية الخاطئة، غير أن ذلك الأمر لم يستمر حتى نلمس ثماره الايجابية، بل تفاجأنا جميعا بالتحاقنا ميدانياً في " الحرب العالمية ضد الإرهاب" وفق الموديل الأمريكي، والذي توجّه مباشرة لقيادات القاعدة وعناصرها عبر هجمات حملت بصمة العسكرتاريا الأمريكية، لتعيد إنتاج خيباتها المريرة في الصومال والعراق وأفغانستان وباكستان .